لَيْسَ بَعِشَّكِ فَادْرِجِي ... قَدْ شَمَّرَتْ عَنْ سَاقِهَا فَشَمِّرِي
هَذَا أَوَانُ الْحَرْبِ فَاشْتَدِّي زِيَمْ ... قَدْ لفها اليل بِسَوَّاقٍ حُطَمْ
لَيْسَ بِرَاعِي إِبِلٍ وَلا غَنَمْ ... وَلا بِجَزَّارٍ عَلَى ظَهْرٍ وَضَمْ
قَدْ لَفَّهَا اللَّيْلُ بِعَصْلَبي ... مُهَاجِرٌ لَيْسَ بِأَعْرَابِيٍّ
مُهَاجِرٌ لَيْسَ بِأَعْرَابِيٍّ إِنِّي وَاللَّهِ مَا أَغْمِزُ غَمْزَ التِّينِ، وَلا يُقَعْقَعُ لِي بِالشِّنَانِ، وَلَقَدْ فُرِرْتُ عَنْ ذَكَاءٍ، وَفُتِّشْتُ عَنْ تَجْرُبَةٍ، وَجَرَيْتُ إِلَى الْغَايَةِ، فَإِنَّكُمْ يَا أَهْلِ الْعِرَاقِ طَالَمَا أَوْضَعْتُمْ فِي الضَّلالَةِ، وَسَلَكْتُمْ سَبِيلَ الْغُوَايَةِ، أَمَّا وَاللَّهِ لأَلْحُوَنْكُمُ الْعُودَ، وَلأَعَصِبَنَّكُمْ عَصْبَ السَّلَمَةِ، وَلأَقْرَعَنَّكُمْ قَرْعَ الْمَرْوَةِ، وَلأَضْرِبَنَّكُمْ ضَرْبَ غَرَائِبِ الإِبِلِ، أَلا إِنَّ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ نَثَلَ كِنَانَتَهُ بَيْنَ يَدَيْهِ، فَعُجِمَ عِيدَانُهَا، فَوَجَدَنِي أَمَرَّهَا عُودًا وَأَصْلَبُهَا مَكْسَرًا، فَوَجَّهَنِي إِلَيْكُمُ، فَاسْتَقِيمُوا وَلا يَمِيلَنَّ مِنْكُمْ مَائِلٌ، وَاعْلَمُوا أَنِّي إِذَا قُلْتُ قَوْلا وَفَيْتُ بِهِ، مَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَنْ بَعْثَ الْمُهَلَّبَ فَلْيَلْحَقْ بِهِ، فَإِنِّي لا أَجِدُ أَحَدًا بَعْدَ ثَلاثَةٍ إلا ضَرَبْتُ عُنُقَهُ، وَإِيَّايَ وَهَذِهِ الزَّرَافَاتِ، فَإِنِّي لا أَجِدُ أَحَدًا يَسِيرُ فِي زَرَافَةٍ إِلا سَفَكَتْ دَمَهُ، وَاسْتَحَلْلَتْ مَالَهُ. ثُمَّ نَزَلَ1.
رَوَاهُ الْمُبَرِّدُ بِنَحْوِهِ، عَنِ الثَّوْرِيِّ، بِإِسْنَادٍ، وَزَادَ فِيهِ: قُمْ يَا غُلامُ فَاقْرَأْ عَلَيْهِمْ كِتَابَ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ. فَقَرَأَ: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، مِنْ عَبْدِ اللَّهِ عَبْدِ الْمَلِكِ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ إِلَى مَنْ بِالْكُوفَةِ، سَلامٌ عَلَيْكُمْ. فَسَكَتُوا، فَقَالَ: اكْفُفْ يَا غُلامُ، ثم أقبل عليهم فَقَالَ: يُسَلِّمُ عَلَيْكُمْ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ فَلا تَرُدُّونَ عَلَيْهِ شَيْئًا، هَذَا أَدَبُ ابْنِ نِهْيَةَ. أَمَّا وَاللَّهِ لَأُؤَدِّبَنَّكُمْ غَيْرَ هَذَا الأَدَبِ أَوْ لَتَسْتَقِيمُنَّ. اقْرَأْ يَا غُلامُ، فَقَرَأَ قَوْلَهُ: السَّلامُ عَلَيْكُمْ، فَلَمْ يَبْقَ فِي الْمَسْجِدِ أَحَدٌ إلا قَالَ: وَعَلَى أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ السَّلامُ.
الْعَصْلَبِيُّ: الشَّدِيدُ مِنَ الرِّجَالِ.
وَالسُّوَاقُ الْحُطَمُ: الْعَنِيفِ فِي سَوْقِهِ.
وَالوَضَمِ: كُلُّ شَيْءٍ وَقَيْتَ بِهِ اللَّحْمَ مِنَ الأَرْضِ مِنْ خِوَانٍ وَقَرْمِيَّةٍ.
وَعَجَمْتُ الْعُودَ إِذَا عَضَضْتُهُ بِأَسْنَانِكَ.
وَالزَّرَافَاتُ: الْجَمَاعَاتُ.
وَقَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: فَأَوَّلُ مَنْ خَرَجَ عَلَى الْحَجَّاجِ بِالْعِرَاقِ عَبْدُ اللَّهِ بن الجارود،