أَلا أُخْبِرُكُمْ عَمَّنْ صَحِبْتُ؟ صَحِبْتُ عُمَرَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، فَمَا رَأَيْتُ أَحَدًا أَفْقَهَ فِي كِتَابِ اللَّهِ مِنْهُ، وَلا أَحْسَنَ مُدَارَسَةً مِنْهُ، وصحبت طلحة بن عبيد الله، فما رأيت أَحَدًا أَعْطَى لِجَزِيلٍ مِنْهُ عَنْ غَيْرِ مُسَأَلَةٍ، وَصَحِبْتُ عَمْرَو بْنَ الْعَاصِ، فَمَا رَأَيْتُ أَحَدًا أَنْصَعَ ظَرْفًا مِنْهُ، وَصَحِبْتُ مُعَاوِيَةَ، فَمَا رَأَيْتُ أَحَدًا أَكْثَرَ حُلْمًا وَلا أَبْعَدَ أَنَاةً مِنْهُ، وَصَحِبْتُ زِيَادًا، فَمَا رَأَيْتُ أَكْرَمَ جَلِيسًا مِنْهُ، وَصَحِبْتُ الْمُغِيرَةَ بْنَ شُعْبَةَ، فَلَوْ أَنَّ مَدِينَةً لَهَا أَبْوَابٌ لا يَخْرُجُ مِنْ كُلِّ بَابٍ مِنْهَا إِلا بِالْمَكْرِ لَخَرَجَ مِنْ أَبْوَابِهَا كُلِّهَا1.
قَالَ خَلِيفَةُ: مَاتَ قَبِيصَةُ سَنَةَ تِسْعٍ وَسِتِّينَ.
85- قَيْسُ بْنُ ذَرِيحٍ2.
أَبُو يَزِيدَ اللَّيْثِيُّ الشاعر الْمَشْهُورُ، مِنْ بَادِيَةِ الْحِجَازِ، وَهُوَ الَّذِي كَانَ يشبب بأم معمر لبني بنت الحباب الكعبي، ثُمَّ إِنَّهُ تَزَوَّجَ بِهَا، وَقِيلَ: إِنَّهُ كَانَ أَخَا الْحُسَيْنِ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- مِنَ الرَّضَاعَةِ.
قَالَ ثَعْلَبٌ: ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ شَبِيبٍ، ثنا مُوسَى بْنُ عِيسَى الْجَعْفَرِيُّ: أَخْبَرَنِي عِيسَى بْنُ أَبِي جَهْمَةَ اللَّيْثِيُّ، وَكَانَ مُسِنًّا، قَالَ: كَانَ قَيْسُ بْنُ ذَرِيحٍ رَجُلا مَنًّا، وَكَانَ ظَرِيفًا شَاعِرًا، وَكَانَ يَكُونُ بِقُدَيِدٍ بِسَرِفَ وَبِوَادِي مَكَّةَ، وَخَطَبَ لُبْنَى مِنْ خُزَاعَةَ، ثُمَّ مِنْ بَنِي كَعْبٍ فَتَزَوَّجَهَا وَأُعْجِبَ بِهَا، وَبَلَغَتْ عِنْدَهُ الْغَايَةَ، ثُمَّ وَقَعَ بَيْنَ أُمِّهِ وَبَيْنَهَا فَأَبْغَضَتْهَا، وَنَاشَدَتْ قَيْسًا فِي طَلاقِهَا، فَأَبَى، فَكَلَّمَتْ أَبَاهُ، فأمر بِطَلاقِهَا، فَأَبَى عَلَيْهِ، فَقَالَ: لا جَمَعَنِي وَإيِّاكَ سَقْفٌ أَبَدًا حَتَّى تُطَلِّقَهَا، ثُمَّ خَرَجَ فِي يَوْمٍ قَيْظٍ فقَالَ: لا أَسْتَظِلُّ حَتَّى تُطَلِّقَهَا، فَطَلَّقَهَا وَقَالَ: أَمَا إِنَّهُ آخِرُ عَهْدِكَ بِي، ثُمَّ إِنَّه اشْتَدَّ عَلَيْهِ فِرَاقُهَا وَجَهِدَ وَضَمُرَ، وَلَمَّا طَلَّقَهَا أَتَاهَا رِجَالُهَا يَتَحَمَّلُونَهَا، فَسَأَلَ: مَتَى هُمْ رَاحِلُونَ؟ قَالُوا: غَدًا نَمْضِي، فَقَالَ:
وَقَالُوا غَدًا أَوْ بَعْدَ ذَاكَ ثَلاثَةٌ ... فِرَاقُ حَبِيبٍ لَمْ يَبِنْ وَهُوَ بَائِنُ
فَمَا كُنْتُ أَخْشَى أَنْ تَكُونَ مَنِيَّتِي ... بِكَفِّي إِلا أَنَّ مَا حَانَ حَائِنُ
ثُمَّ جَعَلَ يَأْتِي مَنْزِلَهَا وَيَبْكِي، فَلامُوهُ، فَقَالَ:
كَيْفَ السُّلُوُّ وَلا أَزَالُ أَرَى لها ... ربعًا كحاشية اليماني المخلق