وَلَمَّا بُويِعَ يَزِيدُ كَتَبَ إِلَى الْوَلِيدِ بْنِ عُتْبَةَ أَمِيرَ الْمَدِينَةِ: أَنْ ادْعُ النَّاسَ إِلَى الْبَيْعَةِ، وَابْدَأْ بِوُجُوهِ قُرَيْشٍ، وَلْيَكُنْ أوَّلَ مَنْ تَبْدَأُ بِهِ الْحُسَيْنُ، وَارْفِقْ بِهِ، فَبَعَثَ الْوَلِيدُ فِي اللَّيْلِ إِلَى الْحُسَيْنِ وَابْنِ الزُّبَيْرِ، وَأَخْبَرَهُمَا بِوَفَاةِ مُعَاوِيَةَ، وَدَعَاهُمَا إِلَى الْبَيْعَةِ، فَقَالَا: نُصْبِحُ وَنَنْظُرُ فِيمَا يَصْنَعُ النَّاسُ، وَوَثَبَا فَخَرَجَا، وأَغْلَظَ الْوَلِيدُ لِلْحُسَيْنِ، فَشَتَمَهُ الْحُسَيْنُ وَأَخَذَ بِعِمَامَتِهِ فَنَزَعَهَا، فَقَالَ الْوَلِيدُ: إِنْ هَجَنَا بِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ إِلَّا أَسَدًا، فَقِيلَ لِلْوَلِيدِ: اقْتُلْهُ، قَالَ: إِنَّ ذَلِكَ لَدَمٌ مَصُونٌ.

وَخَرَجَ الْحُسَيْنُ وَابْنُ الزُّبَيْرِ لِوَقْتِهِمَا إِلَى مَكَّةَ، وَنَزَلَ الْحُسَيْنُ بِمَكَّةَ دَارَ الْعَبَّاسِ. وَلَزِمَ عَبْدُ اللَّهِ الْحِجْرَ، فَلَبِسَ الْمَغَافِرَ، وَجَعَلَ يُحَرِّضُ عَلَى بَنِي أُمَيَّةَ، وَكَانَ يَتَرَدَّدُ إِلَى الْحُسَيْنِ، وَيُشِيرُ عَلَيْهِ أَنْ يَقْدُمَ الْعِرَاقَ وَيَقُولُ لَهُ: هُمْ شِيعَتُكُمْ، وَكَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ يَقُولُ لَهُ: لَا تَفْعَلْ.

وَقَالَ لَهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُطِيعٍ: فِدَاكَ أَبِي وَأُمِّي مَتِّعْنَا بنفسك ولا تسر إلى الْعِرَاقِ، فَوَاللَّهِ لَئِنْ قَتَلَكَ هَؤُلَاءِ الْقَوْمُ ليتخذنا خَوَلًا1 أَوْ عَبِيدًا2.

وَقَدْ لَقِيَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ، وَعَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَبَّاسِ بْنِ أَبِي رَبِيعَةَ بالأبواء، مُنْصَرِفِينَ مِنَ الْعُمْرَةِ، فَقَالَ لَهُمَا ابْنُ عُمَرَ: أُذَكِّرُكُمَا اللَّهَ إِلَّا رَجَعْتُمَا، فَدَخَلْتُمَا فِي صَالِحِ مَا يَدْخُلُ فِيهِ النَّاسُ، وَنَنْظُرُ، فَإِنْ أَجْمَعَ عَلَى يَزِيدَ النَّاسُ لَمْ تَشُذَّا، وَإِنِ افْتَرَقُوا عَلَيْهِ كَانَ الَّذِي تُرِيدَانِ.

وَقَالَ ابْنُ عُمَرَ لِلْحُسَيْنِ: لَا تَخْرُجْ فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- خَيَّرَهُ اللَّهُ بَيْنَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، فَاخْتَارَ الْآخِرَةَ، وَإِنَّكَ بُضْعَةٌ3 مِنْهُ، وَلَا تَنَالَهَا -يَعْنِي الدُّنْيَا- فَاعْتَنَقَهُ وَبَكَى، وَوَدَّعَه، فَكَانَ ابْنُ عُمَرَ يَقُولُ: غَلَبَنَا حُسَيْنُ بِالْخُرُوجِ، وَلَعَمْرِي لَقَدْ رَأَى فِي أَبِيهِ وَأَخِيهِ عَبْرَةً، وَرَأَى مِنَ الْفِتْنَةِ وَخِذْلَانِ النَّاسِ لَهُمْ مَا كَانَ يَنْبَغِي لَهُ أَنْ لَا يَتَحَرَّكَ مَا عَاشَ.

وَقَالَ لَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ: أَيْنَ تُرِيدُ يَا ابْنَ فَاطِمَةَ؟ قَالَ: الْعِرَاقَ وَشِيعَتِي، قَالَ: إِنِّي لَكَارِهٍ لِوْجَهِكَ هَذَا، تَخْرُجُ إِلَى قَوْمٍ قَتَلُوا أَبَاكَ وَطَعَنُوا أَخَاكَ، حَتَّى تَرَكَهُمْ سَخْطَةً وَمَلَّهُمْ، أُذَكِّرُكَ اللَّهَ أَنْ تُغَرِّرَ بنفسك.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015