فَقَالَ مُعَاوِيَةُ لِلْمِقْدَامِ: تُوُفِّيَ الْحَسَنُ، فَاسْتَرْجَعَ، فَقَالَ: أَتَرَاهَا مُصِيبَةً؟ قَالَ: وَلَمْ لَا، وَقَدْ وَضَعَهُ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي حِجْرِهِ وَقَالَ: "هَذَا مِنِّي وَحُسَيْنٌ مِنْ عَلِيٍّ" 1. فَقَالَ لِلأَسَدِيِّ: مَا تَقُولُ أَنْتَ؟ قَالَ: جَمْرَةٌ أُطْفِئَتْ، فَقَالَ الْمِقْدَامُ: أُنْشِدُكَ اللَّهَ هَلْ سَمِعْتَ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ينهى عَنْ لِبْسِ الذَّهَبِ وَالْحَرِيرِ، وَعَنْ جُلُودِ السِّبَاعِ وَالرُّكُوبِ عَلَيْهَا؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: فَوَاللَّهِ لَقَدْ رَأَيْتُ هَذَا كُلَّهُ فِي بَنِيكَ، فَقَالَ مُعَاوِيَةُ: عَرَفْتُ أَنِّي لا أَنْجُو مِنْكَ.
قلت: تُوُفِّيَ كعب قبل أن يستخلف مُعَاوِيَة، وصدق كعب فيما نقله، فإن معاوية بقي خليفة عشرين سنة، لا ينازعه أحد الأمر في الأرض، بخلاف خلافة عَبْد الملك بن مروان، وأبي جعفر المنصور، وهارون الرشيد، وغيرهم، فإِنَّهُم كَانَ لهم مخالف، وخرج عَن أمرهم بعض الممالك.
قلت: وَكَانَ يُضرب المثل بحلم مُعَاوِيَة، وقد أفرد ابنُ أَبِي الدُّنيا، وأَبُو بَكْر بْن أَبِي عاصم، تصنيفًا في حلم مُعَاوِيَة.
قَالَ ابن عون: كَانَ الرجل يقول لمعاوية: واللَّه لتستقيمن بنا يَا مُعَاوِيَة أَوْ لنقومنك، فيقول: بماذا؟ فيقولَوْن: بالخُشُب، فيقول: إذا نستقيم2.
وَعَن قبيصة بن جابر قَالَ: صحبت مُعَاوِيَة، فما رأيت رجلًا أثقل حلما، وَلَا أبطأ جهلًا، وَلَا أبَعْدَ أناةً مِنْهُ3.
وَقَالَ جَرِيرُ، عَن مغيرة قَالَ: أرسل الْحَسَن بن عَلِيّ وعَبْد اللَّهِ بن جعفر إِلَى مُعَاوِيَة يسألانَّهُ، فبعث إليهما بمائة ألف، فبلغ عليًا -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، فَقَالَ لهما: ألا تستحيان، رَجُلٌ نطعن فِيهِ غدوةً وعشيةً، تسألانه المال! قالا: لأنك حَرَمْتَنا وجاد لنا4.
وَقَالَ مالك: إن مُعَاوِيَة نتف الشَّيْبَ كذا وكذا سَنَة، وَكَانَ يخرج إِلَى الصلاة ورداؤه يُحمل، فإذا دَخَلَ مصلاه جعل عليه، وذلك من الكبر5.