وقد ذكره اليَسَع بْن حزْم، وبالغ في تعظيمه، وقال: وليَ القضاء فمُحِن، وجرى في أعراض العابرة فلحن، وأصبح يتحرّك بإثارة الألسنة، ويأبى بما أجراه القدرُ عَلَيْهِ النّومُ والسِّنَة، وما أراد إلّا خيرًا، نصب الشّيطان عَلَيْهِ شباكه، وسكَّن الإدبارُ حِراكه، فأبداه للنّاس صورة تبدو، وسورة تُتلى، لكونه تعلَّق بأذيال المُلك، ولم يجر مجرى العلماء في مجاهرة السّلاطين وحرْبهم، بل داهن.
ثمّ انتقل إلى قُرْطُبة مكرَّمًا، حتّى حُوِّل إلى العُدْوة، فقضى بما قرأت.
قرأت بخطّ ابن مَسدي في "مُعْجَمه": أَخْبَرَنَا أبو العبّاس أحمد بْن محمد بْن مفرّج النباتي بإشبيلية: سَمِعْتُ الحافظ أبا بَكْر بْن الجدّ وغيره يقولون: حضر فقهاء إشبيلية أبو بَكْر بْن المُرجّى، وفلان، وفلان، وحضر معهم أبو بَكْر بْن العربيّ، فتذاكروا حديث المِغفَر1، فقال ابن المُرَجّى: لا يُعرف إلّا من حديث مالك، عَن الزُهري. فقال ابن العربيّ: قد رويته من ثلاثة عشر طريقا، غير طريق مالك.
فقالوا لَهُ: أفِدنا هذه الفوائد، فوعدهم، ولم يُخرج لهم شيئًا. وفي ذلك يقوم خَلَفُ بنُ خَير الأديب:
يا أهل حمصَ ومَن بها أوصيكمُ ... بالبرّ والتَّقْوَى وصيَّةً مشفقِ
فخُذُوا عَن العربيّ أسمارَ الدّجا ... وخُذوا الرّوايةَ عَنْ إمامٍ متّقي
إنّ الفتى حُلْوُ الكلام مهذّبٌ ... إنْ لم يجِدْ خَبَرًا صحيحًا يخلقِ2
قلت: هذه الحكاية لا تدل عَلَى ضعف الرجل ولابد.
172- محمد بْن عبد الرحمن بْن إبراهيم بْن يحيى3.
أبو الحَسَن ابن الوزّان، صاحب الصّلاة بجامع قُرْطُبَة.
روى عَنْ: أَبِي عبد الله محمد بْن فَرَج.
وكان أديبًا، فاضلا، معتنيا بالعلم والرواية، ثقة، ثَبتًا، طويل الصلاة، كثير الذِّكر.