وأنّه دخل الشّام ولقي بها: أبا بَكْر محمد بْن الوليد الطُّرطوشي، وتفقّه عنده. ولقي بها جماعة من العلماء والمحدّثين. وأنّه دخل بغداد، وسمع بها من طِراد الزَّيْنبيّ.

ثمّ حجّ سنة تسعٍ وثمانين، وسمع من الحسين بْن عليّ الطَّبَريّ.

وعاد إلى بغداد، فصحِب أبا بَكْر الشّاشيّ، وأبا حامد الغزّاليّ، وغيرهم، وتفقه عندهم. ثمّ صدر عَنْ بغداد، ولقي بمصر، والإسكندرية جماعة، فاستفاد منها، وعاد إلى بلده سنة ثلاثٍ وتسعين بعِلمٍ كثير لم يدخله أحدٌ قبله ممّن كانت لَهُ رحلة إلى المشرق.

وكان من أهل التّفنّن في العلوم، والاستبحار فيها، والجّمْع لها، مقدَّمًا في المعارف كلها، متكلِّمًا في أنواعها، نافذًا في جميعها، حريصًا عَلَى آدابها ونشرها، ثاقب الذّهن في تمييز الصّواب منها. يجمع إلى ذَلكَ كلّه آداب الأخلاق مَعَ حُسن المعاشرة، ولِين الكَنَف، وكثْرة الاحتمال، وكَرَم النَّفْس، وحُسن العهد، وثَبَات الودّ. واستُفتي ببلده، فنفع اللَّه بِهِ أهلَها لصرامته وشدّته، ونفوذ أحكامه.

وكانت لَهُ في الظّالمين سورةٌ مرهوبة. ثمّ صُرف عَن القضاء، وأقبل عَلَى نشر العِلْم وبثّه.

قرأتُ عَلَيْهِ، وسمعت منه بإشبيلية، وقُرْطُبة كثيرًا من روايته وتواليفه.

وتُوُفّي بالعدْوة، ودُفن بفاس في ربيع الآخر.

قَالَ ابن عساكر: سَمِعَ أبا الفتح نصر بْن إبراهيم المقدسيّ، وأبا الفضل بْن الفُرات، وأبا البركات أحمد بْن طاوس، وجماعة.

وسمع ببغداد: نصر بْن البطِر، وأبا طلْحة النِّعَالِي، وطِراد بْن محمد.

وسمع ببلده من خاله الحسن بْن عُمَر الهَوْزَنيّ، يعني المذكور سنة اثنتي عشرة.

قلت: ومن تصانيفه: كتاب "عارضة الأحوَذي في شرح التِّرْمِذيّ"، وكتاب "التّفسير" في خمس مجلّدات كبار، وغير ذَلكَ من الكُتُب في الحديث، والفقه، والأُصُول.

وورّخ موتَه في هذه السّنة أيضًا الحافظ أبو الحَسَن بْن الفضل، والقاضي أبو العباس بن خلّكان1.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015