وكان نظام المُلْك يحتمل ذلك كلّه من عطاء.
وسمعتُ أنّ عطاء قُدِّم إلى الخَشَبة ليُصلَب، فنجّاه الله تعالى لحُسْن الاعتقاد والجدّ الّذي كان له فيما مرّ فيه.
فلّما أُطلق قام في الحال إلى التّظلُّم وما فَتَر.
وخرج مع النّظّام إلى الرُّوم ماشيًا.
وسمعت أنّه كان في المدَّة الّتي كان شيخ الإسلام غائبًا فيها عن وطنه ما ركب عطاء دابَّةً، ولا عَبَر على قنطرة، بل كان يمشي مع الخيل، ويخوض الأنهار، ويقول: شيخي في المحنة والغُربة، فلا أستريح.
وما استراح إلى أنّ ردّوا شيخه إلى وطنه.
وَسَمِعْتُ مُحَمَّدَ بْنَ عَطَاءٍ يَقُولُ: سَمِعْتُ وَالِدِي يَقُولُ: كُنْتُ فِي طَرِيقِ الرُّومِ أَعْدُو مَعَ مَوْكِبِ النَّظَّامِ، فَوَقَعَ نَعْلِي، فَمَا الْتَفَتُّ لَهَا، وَرَمَيْتُ الْأُخْرَى، وَجَعَلْتُ أَعْدُو. فَأَمْسَكَ النَّظَّامُ الدَّابَّةَ وَقَالَ: أَيْنَ نَعْلَاكَ؟ قُلْتُ: وَقَعَ إِحْدَاهُمَا، فَمَا وَقَفْتُ عَلَيْهَا خَشْيَةَ أَنْ تَفُوتَنِي وَتَسْبِقَنِي.
فَقَالَ: هَبْ أَنَّهُ قَدْ وَقَعَ إِحْدَاهُمَا، فَلِمَ خَلَعْتَ الْأُخْرَى وَرَمَيْتَهَا؟ قُلْتُ: لِأَنَّ شَيْخِي عَبْدَ اللَّهِ الْأَنْصَارِيَّ أَخْبَرَنِي أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- "نَهَى أَنْ يَمْشِيَ الْإِنْسَانُ فِي نعلٍ وَاحِدٍ"1، فَمَا أَرَدْتُ أَنْ أُخَالِفَ السُّنَّةَ. فَأَعْجَبَ النَّظَّامُ مَا فَعَلَ وَقَالَ: أَكْتُبُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ حَتَّى يَرْجِعَ شَيْخُكَ إِلَى هَرَاةَ.
وَقَالَ لِي: ارْكَبْ بَعْضَ الْجَنَائِبِ، فَأَبَيْتُ وَقُلْتُ: شَيْخِي فِي الْمِحْنَةِ وَأَنَا أَرْكَبُ الْجَنَائِبَ! وَعَرَضَ عَلَيْهِ مَالًا، فَلَمْ يَقْبَلْهُ.
وَقُدِّمَ أَبِي بِأَصْبَهَانَ إِلَى الْخَشَبَةِ لِيُصْلَبَ عَلَيْهَا بَعْدَ أَنْ حَبَسُوهُ مُدَّةً، فَقَالَ لَهُ الْجَلادُ: صَلِّ رَكْعَتَيْنِ.
فَقَالَ: لَيْسَ ذَا وَقْتُ صَلاةٍ، اشْتَغِلْ بِمَا أُمِرْتَ، فَإِنِّي سَمِعْتُ شَيْخِي يَقُولُ: إِذَا عُلِّقَتِ الشَّعِيرُ عَلَى الدَّابَّةِ فِي أَسْفَلِ الْعَقَبَةِ لَا تُوَصِّلُكَ فِي الْحَالِ إِلَى أَعْلاهَا.
الصّلاة نافعة في الرّخاء، لَا في حالة اليأس. ووصل مسرعٌ من السّلطان ومعه الخاتم بتسريحه، فتُرِك.
وكانت الخاتون امرأة السلطان معينة في حقه.