كتاب. فليت شِعْري، أحقٌ هُوَ أو باطل؟ فإنْ كَانَ باطلًا فصَدق، وإن كَانَ حقًا، وهو مُرادُه بلا شكّ، فلِمَ لَا يودَع في الكُتُب، أَلغُمَوضه ودِقّته؟ فإن كَانَ هُوَ فَهْمُه، فما المانع لأن يفهمه غيره1.
قَالَ الطُّرْطُوشيّ محمد بْن الوليد في رسالة لابن المظفَّر: فأمّا ما ذكرت مِن أمر الغزّاليّ، فرأيت الرجل وكلّمته، ورأيته جليلًا مِن أهل العلم، قد نهضت به فضائله، واجتمع فيه العقل والفَهْم، وممارسة العلوم طول عُمره. وكان عَلَى ذَلِكَ مُعْظَم زمانه، ثمّ بدا لَهُ عَنْ طريق العالم، ودخل في غُمار العُمّال، ثمّ تصوّف، فهجر العلومَ وأهلها، ودخل في علوم الخواطر، وأرباب العقول، ووساوس الشّيطان، ثم شابَها بآراء الفلاسفة، ورموز الحلّاج، وجعل يطعن عَلَى الفقهاء والمتكلّمين. ولقد كَاد أن ينسلخ مِن الدّين. فلمّا عمل "الإحياء" عمد يتكلّم في عُلُوم الأحوال ومرامز الصُّوفيّة، وكان غير أنيسٍ بها، ولا خبير بمعرفتها، فسقط عَلَى أمّ رأسه وشحن كتابه بالموضوعات.
وقال أبو عَمْرو بْن الصّلاح: فصْلٌ لبيان أشياء مهّمة أُنْكِرتْ عَلَى الغزّاليّ في مصنَّفَاته، ولم يَرْتضِها أهلُ مذهبه وغيرهم مِن الشّذوذ في تصرّفاته، منها قولُه في المنطق: هُوَ مقدّمة العلوم كلّها، ومن لَا يحيط بِهِ، فلا ثقة لَهُ بمعلومه أصلًا، وهذا مردودٌ، فكلّ صحيح الذّهْن مَنْطِقيّ بالطَّبْع، وكيف غفل الشّيخ أبو حامد حال مشايخه مِن الأئمّة، وما رفعوا بالمنطق رأسًا.
قَالَ ابن الصّلاح2: وأمّا كتاب "المضْنوُن بِهِ عَلَى غير أهله"، فَمَعَاذ الله أن يكون لَهُ. شاهدتُ عَلَى نسخة بخطّ القاضي كمال الدِّين محمد بن عبد الله بن الشّهْرزُوريّ أنّه موضوعٌ عَلَى الغزاليّ، وأنّه مخَتَرعٌ مِن كتاب "مقاصد الفلاسفة"، وقد نقضه بكتاب "التّهافُت".
وقال أبو بَكْر الطُّرْطُوشيّ: شحن الغزاليّ كتابه "الإحياء" بالكذِب عَلَى رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فلا أعلم كتابًا عَلَى بسطة الأرض أكثر كذبًا عَلَى رَسُول اللهِ منه. ثم شبكه بمذاهب الفلاسفة، ومعاني رسائل إخوان الصَّفَاء وهم قومٌ يرون النُّبُوَّة اكتسابًا. فليس نبيّ في زعمهم أكثر مِن شخص فاضل، تخلَّق بمحاسن الأخلاق، وجانب سفاسفها،