فرمى بها في مِنْقَل نارٍ بين يديه، فأحرقها، فسكنت قلوب الأمراء، وبذلوا الطّاعة. وكان ذلك سبب ثبات ملكه، وخنق عمَّه بوَتَر. وتمَّ له الأمر، وملك من الأقاليم ما لم يملك أحدٌ من السّلاطين، فكان في مملكته جميع بلاد ما وراء النّهر، وبلاد الهَيَاطِلَة، وباب الأبواب، وبلاد الرّوم، والجزيرة، والشّام.

وملك من مدينة كَاشْغَر، وهي أقصى مدينة بالتُّرْك إلى بيت المقدس طولًا، ومن القُسْطَنْطِينيّة إلى بلاد الخَزَر وبحر الهند عرضًا.

وكان من أحسن الملوك سيرة، ولذلك كان يُلقَّب بالسّلطان العادل، وكان منصورًا في حروبه، مُغْرى بالعمائر وحفْر الأنهار، وعمّر الأسوار والقناطر، وعمَّر جامعًا ببغداد، وهو جامع السّلطان، وأبطل المُكُوس والخفّارات في جميع بلاده، كذا نقل ابنُ خَلِّكان في "تاريخه"1 فالله أعلم.

قال: وصنع بطريق مكّة مصانع للماء، غرِم عليها أموالًا كثيرة، وكان لهِجًا بالصَّيْد، حتّى قِيل: إنّه ضُبط ما اصطاده بيده، فكان عشرة آلاف وحش، فتصدَّق بعشرة آلاف دينار، وقال: إنّي خائف من الله تعالى لإزهاق الأرواح من غير مأكَلَةٍ.

شيَّع مرّةً الحاجّ، فتعدَّى العُذَيْب2، وصاد في طريقه وحشًا كثيرًا، يعنى هو وجنده فبنى هناك منارةً، من حوافر حُمْر الوحْش وقرون الظِّباء؛ وهي باقية تعرف بمنارة القرون.

وأما السبيل فأمِنَت في أيّامه أمرًا زائدًا، ورخصت الأسعار، وتزوج أمير المؤمنين المقتدي بالله بابنته، وكان السّفير بينهما الشّيخ أبو إسحاق الشّيرازيّ، وكان زفافها إلى الخليفة سنة ثمانين وأربعمائة، وفي صبيحة دخول الخليفة بها عمل وليمةً هائلة لعسكر ملكشاه، كان فيها أربعون ألفًا منًّا سُكَّر، فأولدها جعفرًا3.

ودخل ملكْشَاه بغداد مرَّتين، وكان ليس للخليفة معه سوى الاسم، وقدمها ثالثًا متمرِّضًا.

وكان المقتدي قد جعَل ولده المستظهر بالله وليَّ العهد، فألزم ملكشاه الخليفة أن

طور بواسطة نورين ميديا © 2015