حكى القاضي أبو العلاء الغَزْنَويّ في كتاب "سرّ السُّرور": أنّ نظام المُلْك صادف في السَّفَر رجلًا في زِيّ العلماء، قد مسّه الكلال، فقال له: أيّها الشّيخ، أعييت أمْ عييت؟ فقال: أعييت يا مولانا. فتقدَّم من حاجبه أن يركبه جنْبيًّا، وأن يُصلح من شأنه، واخذ في اصطناعه، وأنّما أراد بسؤاله اختباره، فإن عيي في اللّسان، وأعيى: تعِب.

ورُوِيَ عن عبد الله السّاوجيّ أنّ نظام المُلْك استأذن ملكشاه في الحجّ، فأذِن له، وهو إذ ذاك ببغداد، فعبر الجسر، وهو بتلك الآلات والأقمشة والخيام، فأردتُ الدّخول عليه، فإذا فقيرٌ تلوح عليه سيماء القوم فقال لي: يا شيخ، أمانة ترفعها إلى الوزير، قلت: نعم: فأعطاني ورقةً، فدخلتُ بها، ولم أفتحها فوضعتها بين يدي الصّاحب، فنظر فيها وبكي بكاءً كثيرًا، حتّى ندمتُ وقلت في نفسي: ليتني نظرتُ فيها.

فقال لي: أَدْخِلْ عليَّ صاحبَ الرُّقْعة. فخرجت فلم أجده، وطلبته فلم أره، فأخبرتُ الوزير، فدَفَعَ إليَّ الرُّقْعَة، فإذا فيها: رَأَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي المنام فقال لي: اذهب إلى حَسَن، وقُلْ له: اين تذهب إلى مكّة؟ حجُّك هنا: أما قلتُ لك أقِم بين يدي هذا التُّرْكيّ، وأغث أصحاب الحوائج من أمتي?

فبطل النظام الحج، وكان يودّ أن يرى ذلك الفقير.

قال: فرأيته يتوضّأ ويغسل خُرَيْقات، فقلت: إنّ الصّاحب يطلبك.

فقال: ما لي وله: إنما كان عندي أمانةٌ أدّيتها.

قال ابن الصّلاح: كان السّاوجيُّ هذا شيخَ الشّيوخ، نَفَقَ على النّظام حتّى أنفق عليه وعلى الفقراء باقتراحه في مدةٍ يسيرةٍ قريبًا من ثمانين ألف دينار1.

رجعْنا إلى تمام التّرجمة: وكان ملكشاه منهمكًا في الصَّيد واللهو.

سمع النّظام من أبي مسلم محمد بن عليّ بن مهريز الأديب، بإصبهان، ومن: أبي القاسم القُشَيْريّ، وأبي حامد الأزهريّ، وهذه الطّبقة.

روى لنا عنه: عمّي أبو محمد الحسن بن منصور السّمعانيّ، ومُصْعَب بن عبد الرزاق

طور بواسطة نورين ميديا © 2015