وهلك رجار قبل التسعين وأربعمائة، وتملّك بعده ابنه، فاتَّسَعت ممالكه، وعمّر البلاد، وبالغ في الإحسان إلى الرّعيّة، وتطاول إلى أخذ سواحل إفريقيّة1.
"دخول السلطان بغداد للمرّة الثّانية":
وفي رمضان وصل السّلطان إلى بغداد، وهي القدْمة الثّانية، وبادر إلى خدمته أخوه تاج الدّولة تُتُش صاحب دمشق وقسيم الدّولة أقْسُنْقُر صاحب حلب، وغيرهما من أمراء النّواحي2 فعمل الميلاد ببغداد، وتأنّقوا في عمله على عادة العجم، وانبهر الناس، وأروا شيئًا لم يعهدوه من كثرة النّيران، حتّى قال شاعرهم3:
وكُلُّ نارٍ على العُشَّاق مُضْرَمَةٌ ... مِن نار قلبي أو من ليلة الصَدَقِ
نارٌ تَجَلَّت بها الظَّلْمَاءُ فاشتبهتْ ... بسُدْفةِ اللَّيل فيه غُرَّةُ الفَلَقِ
وزارتِ الشّمسُ فيه البدرَ واصطلحا ... على الكواكب بعد الغَيْظِ والحَنَقِ
مُدّت على الأرض بسطٌ من جواهرها ... ما بين مجتمع دارٍ ومفترقِ
مثلَ المصابيح إلّا أنّها نزلتْ ... من السّماء بلا رجمٍ ولا حَرَقِ
أعْجِبْ بنارٍ ورضوانٌ يُسعّرُهَا ... ومالكٌ قائمٌ منها على فَرَقِ
في مجلسٍ ضحِكَتْ روضُ الْجِنَانِ لهُ ... لمّا جلى ثغْرُهُ عن واضحٍ يَقَقِ
وللشُّمُوع عيونٌ كلْما نظرتْ ... تظلّمتْ من يديها أنْجُمُ الغَسَقِ
من كلّ مرهفةٍ الأعطافِ كالغُصْن الـ ... ـمياد لكنّه عارٍ من الوَرَقِ
إنِّي لأعجب منها وهي وادعةٌ ... تبكي وعِيشَتُهَا من ضَرْبة العُنُقِ4
"بناء جامع السّلطان ببغداد":
وفي آخرها أمر السّلطان بعمل جامعٍ كبير له ببغداد، وعمل الأمراء حوله دورًا