فباتَ تلك الليلة على باب الخانقاه في البرد، فقال في نفسه: إنْ سهْل الله لي بناء خانقاه أمنع من دخولها أهل الجبال، وتكون موضع نزول الغرباء من الخُراسانيّين.

قال أبو سعْد السّمعانيّ: بَلَغَني أنّه خرج مرّةً إلى البادية، فأضافه صاحبه أحمد بن زَهْراء، وكانت له زاوية صغيرة يجتمع فيها الفقراء، فلمّا دخلها أبو سعْد قال: يا شيخ لو بنيت للأصحاب موضعًا أوسع من هذا، وبابًا أرفع من هذا، حتّى لا يحتاج الدّاخل إلى انحناء ظهره.

فقال له أحمد: إذا بنيت أنت رِباطًا للصُّوفيّة في بغداد، فاجعل له بابًا يدخل فيه الجمل وعليه الرّاكب.

فضربَ الدَّهر ضرباته، وانصرف أبو سعْد، إلى نَيْسابور، وباعَ أملاكه، وجمع ما قدر عليه، وقدِم بغداد، وبنى الرّباط، وحضر فيه الأصحاب، وأحضر أحمد بن زَهْراء وركب واحدٌ جملًا حتَّى دخل من باب الرِّباط.

وسمعت ولده أبا البركات إسماعيل يقول: لما غرق جميع بغداد في سنة ستٍّ وستين وأربعمائة، وكان الماء يدخل الدُّور من السُّطوح، وضرب الجانب الشّرقيّ بالكلّية، اكترى والدي زورقًا، وركب فيه، وحمل أصحابه الصُّوفيّة وأهله. وكان الزَّورق يدور على الماء، والماء يخرّب الحِيطان، ويحمل الأخشاب إلى البحر، فقال أحمد بن زَهْراء لوالدي: لو اكتريت1 زورقًا ورجلًا يأخذ هذه الْجُذُوع ويربطها في موضع، حتَّى إذا نقص الماء بنيت الرّباط، كان أخفَّ عليك.

قال: يا شيخ أحمد هذا زمان التفرقة، ولا يمكن الجمع في زمن التفرقة. فلمّا هبط الماء بنى الرّباط أحسن ممّا كان.

تُوُفّي في ربيع الآخر، وهو الذي تولّى رباط نهر المعلَّى.

وكان عالي الهمّة، كثير التّعصُّب لأصحابه، جدَّد تربة معروف الكَرْخيّ بعد أن احتَرَقَت. وكان ذا منزلةٍ كبيرةٍ عند السُّلطان، وحُرْمة عند الدّولة. وكان يقال: الحمد لله الذي أخرج رأس أبي سعْد من مرقَّعةٍ، فلو خرج من قباء لَهَلَكْنا.

وابن زَهراء هذا هو أبو بكر الطُّريثيثيّ.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015