في خمسين ألفًا، ثمّ خلّيت أهل الإسلام بإسلامهم فيها وعلومهم الظّاهرة وركبت البحر الخضمَّ1 العظيم، وغُصْتُ في الذي نُهي أهل الإسلام منها، كلّ ذلك في طلب الحقّ. وكنتُ أهربُ في سالف الدّهر من التّقليد، والآن رجعتُ من الكُلّ إلى كلمة الحقّ. عليكم بِدِين العجائز. فإنْ لم يدركْني الحقُّ بلطيف بِرّه، فأموت على دين العجائز، ويختُم عاقبة أمري عند الرحيل على بُرهة أهل الحقّ، وكلمة الإخلاص: لا إله إلَّا الله، فالويْلُ لابن الْجُوَيْنيّ يريد نفسه2.
وكان أبو المعالي مع تبحُّره في الفقه وأصوله لا يدري الحديث. ذكر في كتاب "البرهان" حديث مُعَاذ في القياس، فقال: هو مدوَّنُ في الصّحاح، متَّفق على صحته. كذا قال، وأنَّى له الصّحّة، ومداره على الحارث بن عَمْرو، مجهول، عن رجالٍ من أهل حمص لا يُدْري من هم، عن مُعاذ.
وقال المازِريّ رحمه الله في شرح البرهان في قوله: إنّ الله تعالى يعلم الكلّيات لا الْجُزْئيّات: ودِدْتُ لو مَحَوْتُها بدمي.
قلت: هذه لفظة ملعونة.
قال ابن دِحْية: هذه كلمة مكذِّبة للكتاب والسَّنة، مكفّر بها، هَجَره عليها جماعة، وحلف القُشَيْريّ لا يكلّمه أبدًا؛ ونُفي بسببها مدّةً. فجاورَ وتاب3.
قال السّمعانيّ: وسمعت أبا الفَرَج بن أبي بكر الأُرْمَويّ مذاكرةً يقول: سمعتُ أستاذي غانم الموُشيليّ. سمعتُ الإمام أبا المعالي الْجُوَيْنيّ. يقول: لَوِ اسْتَقْبَلْتُ مِنْ أَمْرِي مَا اسْتَدْبَرْتُ مَا اشتغلت بالكلام.
وقال أبو المعالي الْجُوَيْنيّ في كتاب "الرسالة النظاميّة": اختلفت مسالك العلماء في الظّواهر الَّتي وردت في الكتاب والسُّنّة، وامتنع على أهل الحقّ اعتقاد فَحْواها، فرأى بعضهم تأويلها، والتزم ذلك في آي الكتاب وما يصح من السُّنن. وذهب أئّمةُ السَّلف إلى الانكفاف عن التّأويل، وإجراء الظواهر على مواردها، وتفويض معانيها إلى الرب تعالى.