وقد جمع ابنه شعره. وكان ابتدأ كتابا سماه "الاستيفاء" في الفقه، لم يضع منه غير الطهارة في مجلَّدات.

قال عياض: ولما قدم الأندلس وجد بكلام ابن حزم طلاوة إلّا أنّه كان خارجًا عن المذهب، ولم يكن بالأندلس مَن يشتغل بعلمه، فقَصُرت أَلْسِنةُ الفقهاء عن مجادلته وكلامه، واتَّبعه على رأيه جماعةٌ من أهل الجهل، وحلّ بجزيرة مَيُورقَة، فَرَأس فيها، واتَّبعه أهلّها. فلّما قدِم أبو الوليد كلِّم في ذلك، فدخل إلى ابن حزْم وناظَرَه، وشهرَ باطلَه، وله معه مَجَالس كثيرة. ولمّا تكلَّم أبو الوليد في حديث البخاريّ ما تكلَّم من حديث المقاضاة يوم الحُدَيْبية، وقال بظاهر لفظه، أنكرَ عليه الفقيه أبو بكر بن الصّائغ وكفّره بإجازته الكَتْبَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الآي، وأنّه تكذيبٌ للقرآن، فتكلَّم في ذلك مَن لم يفهم الكلام، حتّى أطلقوا عليه الفتنة، وقبّحوا عند العامة ما أتى به، وتكلّم به خطباؤهم في الجمع.

وفي ذلك يقول عبد الله بن هند الشّاعر قصيدة منها:

بَرئتُ ممّن شَرَى دُنْيا بآخِرةٍ ... وقال: إنّ رسولَ الله قد كَتَبَا

فصنَّف أبو الوليد في ذلك رسالةً بيَّن فيها أن ذلك لا يقدح في المعجزة، فرجع جماعة بها.

ومن شعره:

قد أفلح القانتُ في جُنْح الدُّجى ... يتلو الكتابَ العربيَّ النيِّرا

له حنينٌ وشهيقٌ وبُكا ... بيلَ من أَدْمُعِهِ تُرَب الثَّرا

إنّا لسفرٌ نبتغي نَيْل المَدَى ... ففي السُّرا بُغْيتُنا لا في الكَرَى

مَن ينصَبِ اللّيلَ يَنَلْ راحتَه ... عند الصّباح يَحْمَدُ القَومُ السُّرا

وله:

إذا كنت أعلمُ عِلْمًا يقينًا ... بأنّ جميعَ حياتي كساعَة

فلِمْ لا أكون ضنينًا بها ... وأجعلها في صلاح وطاعة؟

وله يرثي أمَّه وأخاه رحمهما الله تعالى:

رعى اللهُ قبرَيْن استكانا ببلدةٍ ... هما أسكناها في السّواد من القلب

طور بواسطة نورين ميديا © 2015