وامتلأت الدنيا نارًا، وبلغت السماء، فولوا منهزمين، وقتل منهم خلق، وغرق خلق، وسلم البعض، وغنمت أموالهم ودوابُّهم.
ثم عمل بالصعيد مصافًا آخر، ونصر عليهم، وأحسن إلى الرعية، وأقام المزارعين فزرعوا البلاد، وأطلق لهم الخراج ثلاث سنين، فعمرت البلاد وعادت -وذلك بعد الخراب- إلى أحسن ما كانت عليه.
وفاة الخليفة القائم بأمر الله:
وفي شعبان توفِّي أمير المؤمنين القائم بأمر الله العباسي، واستخلف بعده حفيده عبد الله بن محمد، ولقِّب بالمقتدي بأمر الله. وحضر قاضي القضاة أبو عبد الله الدامغاني، والشيخ أبو إسحاق الشيرازي، والشيخ أبو نصر بن الصباغ، ومؤيد الملك ولد نظام الملك، وفخر الدولة بن جهير الوزير، ونقيب النقباء طراد العباسي، والمعمر بن محمد نقيب العلويين، وأبو جعفر بن أبي موسى الهاشمي الفقيه، فكان أول من بايعه الشريف أبو جعفر، فإنه لمَّا فرغ من غسل القائم بايعه وتمثل:
إذا سيد مضى قام سيد
ثم ارتج عليه، فقال المقتدي:
قئول لما قال الكرام فعول
فلمَّا فرغوا من بيعته صلَّى بهم العصر.
وكان أبوه الذخيرة أبو العباس محمد بن القائم قد توفي أيام القائم، ولم يكن له غيره، فأيقن الناس بانقراض نسل القائم، وانتقال الخلافة من البيت القادري، وكان للذخيرة جارية تسمَّى أرجوان، فلمَّا مات ورأت أباه قد جزع ذكرت له أنها حامل، فتعلقت الآمال بذلك الحمل، فولدت هذا بعد موت أبيه بستة أشهر، فاشتدَّ سرور القائم به، وبالغ في الإشفاق عليه، والمحبة له، وكان ابن أربع سنين في فتنة البساسيري، فأخفاه أهله، وحمله أبو الغنائم بن المحلبان إلى حران، ولمَّا عاد القائم إلى بغداد أعيد المقتدي، فلما بلغ الحلم جعله ولي عهده.
وزارة ابن جهير:
ولما استخلف أقرَّ فخر الدولة ابن جهير على وزارته بوصيةٍ من جده.