أنشدني بعض أصحابه، فقال:
من اقتنى وسيلةً وذُخْرا ... يرجو بها مَثُوبةً وأَجْرا
فحجَّتي يوم أوافي الحشرا ... معتقدي عقيدة ابن الفرّا1
قال أبو الحسين: اعلم، زادنا اللَّه عِلمًا ينفعنا به، وجعلنا مِمَّن آثر الآيات الصّريحة، والَأحاديث الصحيحة، على آراء المُتَكلِّمين، وأهواء المتكلفين، وأنَّ الّذي دَرَجَ عليه سائر السَّلَف التَّمسُّك بكتاب اللَّه، واتِّباع سُنَّة محمد -صلّى اللَّه عليه وسلم، ثم ما روي عن الصَّحابة، ثم عن التّابعين والخالفين لهم من علماء المُسلمين الْإِيمان والتَّصديق بكلِّ ما وصف اللَّه به نَفْسَهُ، أو وصفه به رسوله، مع ترك البحث والتَّنْقير، والتّسليم لذلك، من غير تعطيلٍ ولا تشبيهٍ ولا تفسيرٍ ولا تأويل، وهي الطَّائفة المنصورة، والفرقة النَّاجية، فهُم أصحاب الحديث والَأثر، والوالدُ تابِعُهم.
هم خلفاء الرّسول، وورثة حكمته، بهم يلحق التَّالي، وإليهم يرجع الغالي، وهم الّذين نبذهم أهل البِدَع والضَّلال أنَّهُم مُشَبِّهَةٌ جُهَّال.
فاعتقد الوالد وسَلَفهُ أنَّ إثبات الصِّفات إنَّما هُوَ إثبات وجود لَا إثبات تحديد وكيفيَّة، وأنّها صفات لا تُشبه صفات البرّيّة، ولا يُدْرَك حقيقةُ عِلمها بالفِكر والرَّويّة2.
فالحنبليّة لَا يقولون في الصِّفات بتعطيل المُعطِّلة، ولا بتشبيه المُشبِّهين، ولا بتأويل المُتأوّلين.
بل مذهبهم حقٌّ بين باطِلَيْن، وهدًى بين ضلالتين، إثبات الأسماء والصِّفات، مع نفي التّشبيه والَأدوات، على أنَّ اللَّه {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} [الشورى: 11] .
وقد قال الوالد في أخبار الصِّفات والمذهب في ذَلِكَ قبول هذه الأحاديث على ما جاءت به، غير عدول عنه إلى تأويلٍ يُخالِف ظاهرها، مع الاعتقاد بأنَّ الله سبحانه بخلاف كل شيء سواه.