فِي شَنِّهِمَا [1] . وَمَجْدِيُّ بْنُ عَمْرٍو بِقُرْبِهِمَا لَمْ يَفْطِنَا بِهِ. فَسَمِعَا جَارِيَتَيْنِ مِنْ جَوَارِي الْحَيِّ تَقُولُ إِحْدَاهُمَا لِلْأُخْرَى: إِنَّمَا تَأْتِي الْعِيرُ غَدًا أَوْ بَعْدَ غَدٍ، فَأَعْمَلُ لَهُمْ ثُمَّ أَقْضِيكِ. فَصَرَفَهُمَا مَجْدِيُّ، وَكَانَ عَيْنًا لِأَبِي سُفْيَانَ. فَرَجَعَا إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَخْبَرَاهُ. وَلَمَّا قَرُبَ أَبُو سُفْيَانَ مِنْ بَدْرٍ تَقَدَّمَ وَحْدَهُ حَتَّى أَتَى مَاءَ بَدْرٍ فَقَال لِمَجْدِيٍّ: هَلْ أَحْسَسْتَ أَحَدًا؟ فَذَكَرَ لَهُ الرَّاكِبَيْنِ. فَأَتَى أَبُو سُفْيَانَ مَنَاخَهُمَا، فَأَخَذَ مِنْ أَبْعَارِ بَعِيرَيْهِمَا فَفَتَّهُ، فَإِذَا فِيهِ النَّوَى، فَقَالَ: هَذِهِ وَاللَّهِ عَلَائِفُ يَثْرِبَ. فَرَجَعَ سَرِيعًا فَصَرَفَ الْعِيرَ عَنْ طَرِيقِهَا، وَأَخَذَ طَرِيقَ السَّاحِلِ، وَأَرْسَلَ يُخْبِرُ قُرَيْشًا أَنَّهُ قَدْ نَجَا فَارْجِعُوا. فَأَبَى أَبُو جَهْلٍ وَقَالَ: وَاللَّهِ لَا نَرْجِعُ حَتَّى نَرِدَ مَاءَ بَدْرٍ، وَنُقِيمَ عَلَيْهِ ثَلَاثًا، فَتَهَابُنَا الْعَرَبُ أَبَدًا.
وَرَجَعَ الْأَخْنَسُ بْنُ شَرِيقٍ الثَّقَفِيُّ حَلِيفُ بَنِي زُهْرَةَ بِبَنِي زُهْرَةَ كُلِّهِمْ، وَكَانَ فِيهِمْ مُطَاعًا. ثُمَّ نَزَلَتْ قُرَيْشٌ بِالْعُدْوَةِ الْقُصْوَى مِنَ الْوَادِي.
وَسَبَقَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى مَاءِ بَدْرٍ. وَمَنَعَ قُرَيْشًا مِنَ السَّبَقِ إِلَى الْمَاءِ مَطَرٌ عَظِيمٌ لَمْ يُصِبِ الْمُسْلِمِينَ مِنْهُ إِلَّا مَا لَبَّدَ لَهُمُ الْأَرْضَ. فَنَزَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى أَدْنَى مَاءٍ مِنْ مِيَاهِ بَدْرٍ إِلَى الْمَدِينَةِ. فَقَالَ الْحُبَابُ بْنُ الْمُنْذِرِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْجَمُوحِ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَرَأَيْتَ هَذَا الْمَنْزِلَ، أَمَنْزِلٌ أَنْزَلَكَهُ اللَّهُ فَلَيْسَ لَنَا أَنْ نَتَقَدَمَهُ أَوْ نَتَأَخَّرَ عَنْهُ، أَمْ هُوَ الرَّأْيُ وَالْحَرْبُ وَالْمَكِيدَةُ؟ فَقَالَ: بَلِ الرَّأْيُ وَالْحَرْبُ وَالْمَكِيدَةُ. قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ هَذَا لَيْسَ لَكَ بِمَنْزِلٍ، فَانْهَضْ بِنَا حَتَّى نَأْتِيَ أَدْنَى مَاءٍ مِنَ الْقَوْمِ فَنَنْزِلَهُ وَنُغَوِّرَ مَا وَرَاءَهُ مِنَ الْقُلُبِ [2] ، ثُمَّ نبني عليه حوضا فنملؤه مَاءً، فَنَشْرَبَ وَلَا يَشْرَبُونَ. فَاسْتَحْسَنَ النَّبِيُّ صَلَّى الله عليه وسلّم ذلك من