يتعشّى إلّا مع النّاس، وكان لا يَأْكُلُ إِلا بِلَحْمٍ، إِلا أَنْ يَمْرَضَ [1] . وَسَمِعْتُهُ يَقُولُ: قَالَ لِي الرَّشِيدُ لَمَّا قَدِمتُ عَلَيْهِ: مَا صَلاحُ بَلَدِكُمْ؟ قُلْتُ: بِإِجْرَاءِ النِّيلِ، وَبِصَلاحِ أَمِيرِهَا. وَمِنْ رَأْسِ الْعَيْنِ يَأْتِي الْكَدَرُ، فَإِنْ صَفَتِ الْعَيْنُ صَفَتِ السَّوَاقِي.
قَالَ: صَدَقْتَ يَا أَبَا الْحَارِثِ [2] .
وَعَنِ ابْنِ وَزِيرٍ قَالَ: قَدْ وَلِيَ اللَّيْثُ الْجَزِيرَةَ، وَكَانَ أُمَرَاءُ مِصْرَ لا يَقْطَعُونَ أَمْرًا إِلا بِمَشُورَتِهِ، فَقَالَ أَبُو الْمَسْعَدِ وَبَعَثَ بِهَا إِلَى الْمَنْصُورِ:
لِعَبْدِ اللَّهِ عَبْدِ اللَّهِ عِنْدِي ... نَصَائِحُ حُكْتُهَا فِي السِّرِّ وَحْدِي
أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ تَلافَ مِصْرًا ... فَإِنَّ أَمِيرَهَا لَيْثُ بْنُ سَعْدِ [3] .
وَقَالَ بَكْرُ بْنُ مُضَرٍ: قَدِمَ عَلَيْنَا كِتَابُ مَرْوَانَ بْنِ مُحَمَّدٍ إِلَى حَوْثَرَةَ، وَالِي مِصْرَ: إِنِّي بَعَثْتُ إِلَيْكُمْ أَعْرَابِيًّا بَدَوِيًّا فَصِيحًا، مِنْ حَالِهِ وَمِنْ حَالِهِ، فَاجْمَعُوا لَهُ رَجُلا يُسَدِّدُهُ فِي الْقَضَاءِ، وَيُصَوِّبُهُ فِي الْمَنْطِقِ. فَأَجْمَعَ رَأْيُ النَّاسِ عَلَى اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ، وَفِيهِمْ مُعَلِّمَاهُ يَزِيدُ بْنُ أَبِي حَبِيبٍ، وَعَمْرُو بْنُ الْحَارِثِ.
قَالَ أَحْمَدُ بْنُ صَالِحٍ: أَعْضَلَتِ الرَّشِيدَ مَسْأَلَةٌ [فَجَمَعَ لَهَا] فُقَهَاءَ الأَرْضِ حَتَّى أَشْخَصَ اللَّيْثُ فَأَخْرَجَهُ مِنْهَا [4] .
سَعِيدُ بْنُ أَبِي مَرْيَمَ: نَا اللَّيْثُ قَالَ: قَدِمْتُ مُكَّةَ، فَجِئْتُ أَبَا الزُّبَيْرِ، فَدَفَعَ إِلَيَّ كِتَابَيْنِ فَانْقَلَبْتُ بِهِمَا، ثُمَّ قُلْتُ: لَوْ عَاوَدْتُهُ فَسَأَلْتُهُ أَسَمِعَ هَذَا كُلَّهُ مِنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ؟ فَأَتَيْتُهُ فَقَالَ: مِنْهُ مَا سَمِعْتُهُ، وَمِنْهُ مَا حُدِّثْتُ عَنْهُ.
فَقُلْتُ: عَلِّمْ لِي عَلَى مَا سَمِعْتَ. فَعَلَّمَ لِي عَلَى هَذَا الَّذِي عِنْدِي. قُلْتُ:
قَدْ رَوَى اللَّيْثُ، عَنْ نَافِعٍ نُسْخَةً، ثم روى عن رجل عنه.