وَفِيهَا صَارَ يَحْيَى بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حَسَنٍ الْعَلَوِيُّ إِلَى بِلادِ الدَّيْلَمِ، ثُمَّ تَحَرَّكَ هُنَاكَ، وَقَوِيَتْ شَوْكَتُهُ وَطَلَبَ الْخِلافَةَ. وَأَسْرَعَ إِلَيْهِ الشِّيعَةُ مِنَ الأَمْصَارِ، فَاغْتَمَّ لِذَلِكَ الرَّشِيدُ وَأُبْلِسَ، وَاشْتُغِلَ عَنِ الشُّرْبِ وَاللَّهْوِ، وَنَدَبَ لِحَرْبِهِ الْفَضْلُ بْنُ يَحْيَى الْبَرْمَكِيُّ فِي خَمْسِينَ أَلْفًا مِنَ الْخُرَاسَانِيَّةِ وَغَيْرِهِمْ، وَفَرَّقَ عَلَيْهِمُ الذَّهَبَ الْعَظِيمَ، فَانْحَلَّتْ عَزَائِمُ يَحْيَى الْمَذْكُورِ، وَطَلَبَ الصُّلْحَ وَالأَمَانَ، فَسُرَّ بذَلِكَ الرَّشِيدُ وَكَتَبَ لَهُ أَمَانًا، وَأَشْهَدَ عَلَيْهِ الْكِبَارَ، وَنَفَّذَهُ مَعَ تُحَفٍ وَهَدَايَا وَمَالٍ جَلِيلٍ، فَفَرِحَ يَحْيَى وَاطْمَأَنَّ، وَوَفَدَ عَلَى الرَّشِيدِ، فَبَالَغَ فِي إِكْرَامِهِ وَعَطَايَاهُ [1] .
ثُمَّ إِنَّهُ بَعْدُ سَجَنَهُ، فَاعْتَلَّ، فَقِيلَ سُقِيَ السُّمَّ، وَلَمْ يَصِحُّ.
وَيُقَالُ: حَبَسَهُ مَرَّةً بَعْدَ أُخْرَى وَيُطْلِقُهُ [2] .
وَقِيلَ: إِنَّ الَّذِي وَصَلَ إِلَى يَحْيَى بْنِ عَبْدِ اللَّهِ مِنَ الرَّشِيدِ أَرْبَعُمِائَةِ أَلْفِ دِينَارٍ [3] .
وَقَدْ كَانَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُصْعَبٍ الزُّبَيْرِيُّ افْتَرَى عَلَيْهِ لِبُغْضِهِ لِلطَّالِبِيَّةِ، وَزَعَمَ أنَّهُ طَلَبَ إِلَيْهِ أَنْ يَخْرُجَ مَعَهُ، فَبَاهَلَهُ يَحْيَى بِحَضْرَةِ الرَّشِيدِ وَقَامَ، فَمَاتَ الزُّبَيْرِيُّ لِيَوْمِهِ.
وَكَانَ يَحْيَى قَدْ طَلَبَ مُبَاهَلَتَهُ وَشَبَّكَ يَدَهُ فِي يَدِهِ وَقَالَ: قُلِ: اللَّهُمَّ إِنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أَنَّ يَحْيَى بْنَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حَسَنٍ لَمْ يَدْعُنِي إِلَى الْخِلافِ وَالْخُرُوجِ عَلَى أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ هَذَا، فَكِلْنِي إِلَى حَوْلِي وَقُوَّتِي وَاسْخَتْنِي بِعَذَابٍ مِنْ عِنْدِكَ، آمِينَ رب العالمين.