وَقَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ فِي «السِّيرَةِ» [1] : إِنَّ أَبَا طَالِبٍ خَرَجَ إِلَى الشَّامِ تَاجِرًا فِي رَكْبٍ، وَمَعَهُ النَّبِيُّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَهُوَ غُلَامٌ، فَلَمَّا نَزَلُوا بُصْرَى، وَبِهَا بَحِيرَا الرَّاهِبُ فِي صَوْمَعَتِهِ، وَكَانَ أَعْلَمَ أَهْلِ النَّصْرَانِيَّةِ، وَلَمْ يَزَلْ فِي تِلْكَ الصَّوْمَعَةِ قَطُّ [2] رَاهِبٌ يَصِيرُ إِلَيْهِ عِلْمُهُمْ عَنْ كِتَابٍ فِيهِمْ فِيمَا يَزْعُمُونَ، يَتَوَارَثُونَهُ كَابِرًا عَنْ كَابِرٍ، قَالَ: فَنَزَلُوا قَرِيبًا مِنَ الصَّوْمَعَةِ، فَصَنَعَ بَحِيرَا طَعَامًا، وَذَلِكَ فِيمَا يَزْعُمُونَ عَنْ شَيْءٍ رَآهُ حِينَ أَقْبَلُوا، وَغَمَامَةٍ [3] تُظِلُّهُ مِنْ بَيْنِ الْقَوْمِ، فَنَزَلَ بِظِلِّ شَجَرَةٍ [4] ، فَنَزَلَ بَحِيرَا مِنْ صَوْمَعَتِهِ، وَقَدْ أَمَرَ بِذَلِكَ الطَّعَامِ فَصُنِعَ، ثُمَّ أَرْسَلَ إِلَيْهِمْ فَجَاءُوهُ [5] فَقَالَ رَجُلٌ مِنْهُمْ: يَا بَحِيرَا مَا كُنْتَ تَصْنَعُ هَذَا، فَمَا شَأْنُكَ؟

قَالَ: نَعَمْ، وَلَكِنَّكُمْ ضَيْفٌ، وَأَحْبَبْتُ أَنْ أُكْرِمَكُمْ [6] ، فَاجْتَمَعُوا، وَتَخَلَّفَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِصِغَرِهِ فِي رِحَالِهِمْ [7] . فَلَمَّا نَظَرَ بَحِيرَا فِيهِمْ وَلَمْ يَرَهُ قَالَ:

يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ لَا يَتَخَلَّفْ عَنْ طَعَامِي هذا أحد.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015