مِنْ مَنَاقِبِ الْخَلِيفَةِ مَا لَمْ أَسْمَعْ أحدًا ذَكَرَ مِثْلَهُ. وَقَالَ: وَاللَّهِ لَوْ عَرَفْتَ مِنْ حَقِّ الْخِلافَةِ فِي دَهْرِ بَنِي أُمَيَّةَ مَا أَعْرِفُ الْيَوْمَ لأَتَيْتُ الرَّجُلَ مِنْهُمْ حَتَّى أُبَايِعَهُ أَقُولَ:
مُرْنِي بِمَ شِئْتَ، فَقَالَ لَهُ ابْنُهُ الْمَهْدِيُّ: وَكَانَ الْوَلِيدُ مِنْهُمْ؟ فَقَالَ: قَبَّحَ اللَّهُ الْوَلِيدَ وَمَنْ أَقْعَدَهُ خَلِيفَةً، قَالَ: أَفَكَانَ مَرْوَانُ بْنُ مُحَمَّدٍ مِنْهُمْ؟ فَقَالَ الْمَنْصُورُ:
للَّه دَرُّ مَرْوَانَ مَا كَانَ أَحْزَمَهُ وَأَسْوَسَهُ وَأَعَفَّهُ عَنِ الْفَيْءِ. قَالَ: فَلِمَ قَتَلْتُمُوهُ؟
قَالَ: لِلأَمْرِ الَّذِي سَبَقَ فِي عِلْمِ اللَّهِ.
وَعَنْ إِسْحَاقَ بْنِ مُسْلِمٍ الْعُقَيْلِيِّ قَالَ: رَأَيْتُ مَرْوَانَ فَعَلَ فِعْلا فَظِيعًا أَدْخَلَ عَلَيْهِ يَزِيدَ بْنَ خَالِدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْقِسْرِيَّ فَاسْتَدْنَاهُ وَلَفَّ مِنْدِيلا عَلَى إِصْبَعِهِ ثُمَّ أَدْخَلَهَا فِي عَيْنِ يَزِيدَ فَقَلَعَهَا واستخرج الحدقة ثم أدار يده فأخرج حدقته الأُخْرَى وَمَا سَمِعْتُ لِيَزِيدَ كَلِمَةً، وَكَانَ قَدْ حَارَبَ مَرْوَانُ قَبْلَ أَنْ يُسْتَخْلَفَ وَقَامَ مَعَ إبراهيم ابن الْوَلِيدِ.
قَالَ خَلِيفَةُ بْنُ خَيَّاطٍ [1] : وَسَارَ مَرْوَانُ لِحَرْبِ بَنِي الْعَبَّاسِ فَكَانَ فِي مِائَةِ أَلْفٍ وَخَمْسِينَ أَلْفًا فَسَارَ حَتَّى نَزَلَ الزَّابِينَ دُونَ الْمَوْصِلِ فَالْتَقَى هُوَ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَلِيٍّ عَمُّ الْمَنْصُورِ فِي جُمَادَى الآخِرَةِ سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَثَلاثِينَ فَانْكَسَرَ مَرْوَانُ وَقَطَعَ الْجُسُورَ إِلَى الْجِزِيرَةِ وَأَخَذَ بُيُوتَ الأَمْوَالِ وَالْكُنُوزِ فَقَدِمَ الشَّامَ فَاسْتَوْلَى عَبْدُ اللَّهِ عَلَى الْجَزِيرَةِ وَطَلَبَ الشَّامَ وَفَرَّ مِنْهُ مَرْوَانُ وَنَزَلَ عَبْدُ اللَّهِ دِمَشْقَ، فَلَمَّا بَلَغَ مَرْوَانُ أَخَذَ دِمَشْقَ وَهُوَ حِينَئِذٍ بِأَرْضِ فِلَسْطِينَ دَخَلَ إِلَى أَرْضِ مِصْرَ وَعَبَرَ النِّيلَ وَطَلَبَ الصَّعِيدَ، فَوَجَّهَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَلِيٍّ أَخَاهُ صَالِحَ بْنَ عَلِيٍّ فَطَلَبَ مَرْوَانَ وَعَلَى طَلائِعِهِ عَمْرٌو بْن إِسْمَاعِيلُ، فَسَاقَ عَمْرٌو فِي أَثَرِ مَرْوَانَ فَلَحِقَهُ بِقَرْيَةِ بُوصِيرَ فَبَيَّتَهُ فَقَتَلَهُ.
وَقَالَ أَبُو مَعْشَرٍ السِّنْدِيُّ: قُتِلَ مَرْوَانُ وَهُوَ ابن اثنتين وستين سنة.