بَلَغْتُ الثَّمَانِينَ، ثُمّ قَالَ: وَاللَّهِ لَقَدْ بَعَثْتُ لِأَخِيكَ الْوَلِيدِ بِتَوْرٍ [1] مِنْ زَبَرْجَدٍ أَخْضَرَ كَانَ يُجْعَلُ فِيهِ اللَّبَنُ حَتَّى يُرَى فِيهِ الشَّعْرَةُ الْبَيْضَاءُ، ثُمَّ جَعَلَ يُعَدِّدُ مَا أَصَابَ مِنَ الْجَوْهَرِ وَالزَّبَرْجَدِ حَتَّى بُهِتَ سُلَيْمَانُ وَتَعَجَّبَ [2] .
وَبَلَغَنَا أَنَّ النُّصَيْرِيَّ مِنْ وَلَدِ مُوسَى بْنِ نُصَيْرٍ قَالَ: دَخَلَ مُوسَى مَعَ مَرْوَانَ مِصْرَ، فَتَرَكَهُ مَعَ ابْنِهِ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ مَرْوَانَ، ثُمَّ كَانَ مَعَ بِشْرِ بْنِ مَرْوَانَ وَزِيرًا بِالْعِرَاقِ.
وَقَالَ الْفَسَوِيُّ [3] : وَلِيَ مُوسَى إِفْرِيقِيَّةَ سَنَةَ تِسْعٍ وَسَبْعِينَ، فَافْتَتَحَ بِلادًا كَثِيرَةً، وَكَانَ ذَا حَزْمٍ وَتَدْبِيرٍ.
وَذَكَرَ النُّصَيْرِيُّ أَنَّ مُوسَى بْنَ نُصَيْرٍ قَالَ يَوْمًا: أَمَا وَاللَّهِ لَوِ انْقَادَ النَّاسُ إِلَيَّ لَقُدْتُهُمْ حَتَّى أُوقِفَهُمْ عَلَى رُومِيَّةَ ثُمَّ لَيَفْتَحَنَّهَا اللَّهُ عَلَى يَدَيَّ إِنْ شَاءَ اللَّهُ.
وَلَمَّا قَدِمَ مِصْرَ سَنَةَ خَمْسٍ وَتِسْعِينَ تَوَجَّهَ إِلَى الْوَلِيدِ، فَلَمَّا جَلَسَ الْوَلِيدُ يَوْمَ جُمُعَةٍ عَلَى الْمِنْبَرِ أَتَى مُوسَى وَقَدْ أَلْبَسَ ثَلاثِينَ رَجُلا التِّيجَانَ، عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ تَاجُ الْمَلِكِ وَثِيَابُهُ، وَدَخَلَ بِهِمُ الْمَسْجِدَ فِي هَيْئَةِ الْمُلُوكِ، فَلَمَّا رَآهُمُ الْوَلِيدُ، بُهِتَ ثُمَّ حمد اللَّهَ وَشَكَرَ [4] ، وَهُمْ وُقُوفٌ تَحْتَ الْمِنْبَرِ، وَأَجَازَ مُوسَى بِجَائِزَةٍ عَظِيمَةٍ، وَأَقَامَ مُوسَى بِدِمَشْقَ حَتَّى مَاتَ الْوَلِيدُ وَاسْتُخْلِفَ سُلَيْمَانُ، وَكَانَ عَاتِبًا عَلَى مُوسَى، وَحَبَسَهُ وَطَالَبَهُ بِأَمْوَالٍ عَظِيمَةٍ، ثُمَّ حَجَّ سُلَيْمَانُ وَمَعَهُ مُوسَى بْنُ نُصَيْرٍ، فَمَاتَ بِالْمَدِينَةِ.
وَقِيلَ: مَاتَ بِوَادِي الْقُرَى.
وَقِيلَ: لَمْ يُسْمَعْ فِي الإِسْلامِ بِمِثْلِ سَبَايَا مُوسَى بْنِ نُصَيْرٍ وَكَثْرَتِهِمْ.
وَرُوِيَ أَنَّ مُوسَى قَالَ لِسُلَيْمَانَ يَوْمًا: يَا أمير المؤمنين لقد كانت الشّياه