عَرَضَ لِي، قَالَ: فَزَادَهُ أَبُوهُ غَيًّا [1] فَكَتَبَ إِلَيْهِ: أَقْبِلْ عَلَى مَا أُمِرْتَ بِهِ إِنَّ اللَّهَ يَقُولُ: فِي [2] الشَّيَاطِينِ تَنَزَّلُ عَلى كُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ 26: 222 [3] وَلَسْتَ بِأَفَّاكٍ وَلا أَثِيمٍ [4] .

وَكَانَ يَجِيءُ إِلَى أَهْلِ الْمَسْجِدِ رَجُلا فَيُذَاكِرُهُمْ أَمْرَهُ، وَيَأْخُذُ عَلَيْهِمُ الْعَهدَ وَالْمِيثَاقَ إِنْ رَأَى مَا يَرْضَى قَبِلَ، وَإِلا كَتَمَ عَلَيْهِ، وَكَانَ يُرِيهُمُ الْأَعَاجِيبَ، يَأْتِي رُخَامَةً فِي الْمَسْجِدِ فَيَنْقُرُهَا بِيَدِهِ فَتُسَبِّحُ، وَيُطْعِمُهُمْ فَاكِهَةَ الصَّيْفِ فِي الشِّتَاءِ، وَيَقُولُ: اخْرُجُوا حَتَّى أُرِيَكُمُ الْمَلائِكَةَ، فَيُخْرِجُهُمْ إِلَى دَيْرِ مُرَّانَ [5] فَيُرِيهِمْ رِجَالا عَلَى خَيْلٍ. فَتَبِعَهُ بَشَرٌ، كَثِيرٌ، وَفَشَا الأَمْرُ فِي الْمَسْجِدِ، وَكَثُرَ أَصْحَابُهُ، فَوَصَلَ الأَمْرُ إِلَى الْقَاسِمِ بْنِ مُخَيْمِرَةَ، قَالَ: فَعَرَضَ عَلَى الْقَاسِمِ وَأَخَذَ عَلَيْهِ الْعَهْدَ وَالْمِيثَاقَ، ثُمَّ قَالَ: إِنِّي نَبِيٌّ. قَالَ: كَذَبْتَ يَا عَدُوَّ اللَّهِ، وَلا عَهْدَ لَكَ عِنْدِي، قَالَ: فَقَالَ لَهُ أَبُو إِدْرِيسَ الْخَوْلانِيُّ: بِئْسَ مَا صَنَعْتَ إِذْ لَمْ تَلِنْ حَتَّى تَأْخُذَهُ، الآنَ يَفِرُّ، قَالَ: وَقَامَ مِنْ مَجْلِسِهِ فَدَخَلَ عَلَى عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ مَرْوَانَ، فَأَعْلَمَهُ بِالأَمْرِ، وَطُلِبَ فَلَمْ يَقْدِرُوا عَلَيْهِ، وَخَرَجَ عَبْدُ الْمَلِكِ فَنَزَلَ الصِّنَّبْرَةَ [6] وَاتَّهَمَ عَامَّةَ عَسْكَرِهِ بِالْحَارِثِ أَنْ يَكُونُوا يَرَوْنَ رَأْيَهُ.

وَأَتَى الْحَارِثُ بَيْتَ الْمَقْدِسِ مُخْتَفِيًا، وَكَانَ أَصْحَابُهُ يَخْرُجُونَ يَلْتَمِسُونَ الرِّجَالَ يُدْخِلُونَهُمْ عَلَيْهِ، وَكَانَ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْبَصْرَةَ قَدْ أَتَى بَيْتَ الْمَقْدِسِ، فَأُدْخِلَ عَلَيْهِ، فَأَخَذَ فِي التَّحْمِيدِ، فَسَمِعَ الْبَصْرِيُّ كَلامًا حَسَنًا، ثُمَّ أَخْبَرَهُ بِأَمْرِهِ وَأَنَّهُ نَبِيٌّ، فَقَالَ: إِنَّ كَلامَكَ حَسَنٌ، وَلَكِنْ فِي هَذَا نَظَرٌ، ثُمَّ خَرَجَ، ثُمَّ عَادَ إِلَيْهِ، فَأَعَادَ عَلَيْهِ كَلامَهُ، فَقَالَ: قَدْ وَقَعَ فِي قَلْبِي كَلامُكَ، وَقَدْ آمَنْتُ بِكَ، هَذَا الدِّينُ الْمُسْتَقِيمُ، فَأَمَرَ أَنْ لا يُحْجَبَ، فَأَقْبَلَ الْبَصْرِيُّ يَتَرَدَّدُ إليه ويعرف

طور بواسطة نورين ميديا © 2015