وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ الْهُذَلِيُّ: حَدَّثَنِي مَنْ شَهِدَ الْحَجَّاجَ حِينَ قَدِمَ الْعِرَاقَ، فَبَدَأَ بِالْكُوفَةِ، فَنُودِيَ: الصَّلاةُ جَامِعَةٌ، فَأَقْبَلَ النَّاسُ إِلَى الْمَسْجِدِ، وَالْحَجَّاجُ مُتَقَلِّدٌ قَوْسًا عَرَبِيَّةً وَعَلَيْهِ عِمَامَةُ خَزٍّ حَمْرَاءُ مُتَلَثِّمًا، فَقَعَدَ وَعَرَضَ الْقَوْسَ بَيْنَ يَدَيْهِ، ثُمَّ لَمْ يَتَكَلَّمْ حَتَّى امْتَلأَ الْمَسْجِدُ، قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ عُمَيْرٍ: فَسَكَتَ حَتَّى ظَنَنْتُ أَنَّهُ إِنَّمَا يَمْنَعُهُ الْعَيُّ، وَأَخَذْتُ فِي يَدِي كَفًّا مِنْ حَصًى أَرَدْتُ أَنْ أَضْرِبَ بِهِ وَجْهَهُ، فَقَامَ فَوَضَعَ نِقَابَهُ، وَتَقَلَّدَ قَوْسَهُ، وَقَالَ:

أَنَا ابْنُ جَلا وَطَلاعُ الثَّنَايَا ... مَتَى أَضَعُ الْعِمَامَةَ تَعْرِفُونِي [1]

إني لأرى رءوسا قَدْ أينعت وحان قطافها، كأني أنظر إلى الدماء بَيْنَ الْعَمَائِمُ وَاللِّحَى [2] .

لَيْسَ بَعِشَّكِ فَادْرِجِي ... قَدْ شَمَّرَتْ عَنْ سَاقِهَا فَشَمِّرِي [3]

. هَذَا أَوَانُ الْحَرْبِ [4] فَاشْتَدِّي زِيَمْ [5] ... قَدْ لَفَّهَا اللَّيْلُ بِسَوَّاقٍ حُطَمْ [6]

لَيْسَ بِرَاعِي إِبِلٍ وَلا غَنَمْ ... وَلا بِجَزَّارٍ عَلَى ظَهْرٍ وَضَمْ [7]

طور بواسطة نورين ميديا © 2015