حِينَ مَرَّ الْحُسَيْنُ؟ قَالَ: غُلَامٌ قَدْ أَيْفَعْتَ [1] ، قَالَ: كَانَ فِي قِلَّةٍ مِنَ النَّاسِ، وَكَانَ أَخِي أَسَنُّ مِنِّي، فَقَالَ لَهُ: يَا ابْنَ بِنْتِ رَسُولِ اللَّهِ، أَرَاكَ فِي قِلَّةٍ مِنَ النَّاسِ! فَقَالَ بِالسَّوْطِ، وَأَشَارَ إِلَى حَقِيبَةِ الرَّحْلِ: هَذِهِ [خَلْفِي] [2] مَمْلُوءَةٌ كُتُبًا. قَالَ ابْنُ عُيَيْنَةَ: وَحَدَّثَنِي شِهَابُ بْنُ خِرَاشٍ، عَنْ رَجُلٍ مِنْ قَوْمِهِ قَالَ: كُنْتُ فِي الْجَيْشِ الَّذِينَ بَعَثَهُمْ عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ زِيَادٍ إِلَى الْحُسَيْنِ، وَكَانُوا أَرْبَعَةَ آلَافٍ يُرِيدُونَ الدَّيْلَمَ، فَصَرَفَهُمْ عُبَيْدُ اللَّهِ إِلَى الْحُسَيْنِ، فَلَقِيتُ حُسَيْنًا، فَرَأَيْتُهُ أَسْوَدَ الرَّأْسِ وَاللِّحْيَةِ، فَقُلْتُ لَهُ: السَّلَامُ عَلَيْكَ يَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ، فَقَالَ: وَعَلَيْكَ السَّلَامُ، وَكَانَتْ فِيهِ غُنَّةٌ. قَالَ شِهَابٌ: فَحَدَّثْتُ بِهِ زَيْدَ بْنَ عَلِيٍّ، فَأَعْجَبَهُ قَوْلُهُ وَكَانَتْ فِيهِ غُنَّةٌ [3] .
ابْنُ سَعْدٍ، عَنِ الْوَاقِدِيِّ، وَغَيْرِهِ، بِإِسْنَادِهِمْ، أَنَّ عُمَرَ بْنَ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ أَرْسَلَ رَجُلًا عَلَى نَاقَةٍ إِلَى الْحُسَيْنِ، يُخْبِرُهُ بِقَتْلِ مُسْلِمِ بْنِ عُقَيْلٍ، وَكَانَ قَدْ بَعَثَهُ الْحُسَيْنُ إِلَى الْكُوفَةِ كَمَا مَرَّ فِي سَنَةِ سِتِّينَ، فَقَالَ لِلْحُسَيْنِ وَلَدُهُ عَلِيٌّ الْأَكْبَرُ: يَا أَبَهِ ارْجِعْ، فَإِنَّهُمْ أَهْلُ الْعِرَاقِ وَغَدْرُهُمْ، وَقِلَّةُ وَفَائِهِمْ، وَلَا لَكَ بِشَيْءٍ، فَقَالَتْ بَنُو عُقَيْلٍ: لَيْسَ هَذَا حِينَ رُجُوعٍ، وَحَرَّضُوهُ عَلَى الْمُضِيِّ.
وَقَالَ الْحُسَيْنُ لِأَصْحَابِهِ: قَدْ تَرَوْنَ مَا يَأْتِينَا، وَمَا أَرَى الْقَوْمَ إِلَّا سَيَخْذِلُونَنَا، فَمَنْ أَحَبَّ أَنْ يَرْجِعَ فَلْيَرْجِعْ، فَانْصَرَفَ عَنْهُ جَمَاعَةٌ، وَبَقِيَ فِيمَنْ خَرَجَ مَعَهُ مِنْ مَكَّةَ، فَكَانَتْ خَيْلُهُمُ اثْنَيْنِ وَثَلَاثِينَ فَرَسًا [4] . وَأَمَّا ابْنُ زِيَادٍ فَجَمَعَ الْمُقَاتِلَةَ وَأَمَرَ لَهُمْ بِالْعَطَاءِ.
وَقَالَ يَزِيدُ الرِّشْكُ: حَدَّثَنِي مَنْ شَافَهَ الْحُسَيْنُ قَالَ: رَأَيْتُ أبنية مَضْرُوبَةً بِالْفَلَاةِ لِلْحُسَيْنِ، فَأَتَيْتُهُ، فَإِذَا شَيْخٌ يَقْرَأُ الْقُرْآنَ وَالدُّمُوعُ تَسِيلُ عَلَى خدَّيْهِ، فَقُلْتُ: بِأَبِي وَأُمِّي يَا بن بِنْتِ رَسُولِ اللَّهِ، مَا أَنْزَلَكَ هَذِهِ الْبِلَادَ والفلاة التي