وذلك حسبما عَدَّه نائب التّتار الّذي ورد إليها شِحْنة، واستخرج على الرّأس دينارا. هذا سوى من دخل إليها عند هجوم العساكر من الفلّاحين.
وأمّا قلعتها فلجئوا إليها وتحاشروا بها، فكانوا ثمانية آلاف رجل [1] ، غير الحريم والأولاد، فمات بها عالمٌ كثير في زحمة الباب.
وأمّا الوزير والوالي وغيرهما فلمّا شاهدوا الحال هربوا في اللّيل في الجبال رَجّالةً، فأصبح النّاس فطلبوا الأمان من القتل وأن يؤسروا. ثمّ خرجوا في أحسن زِيٍّ وزينةٍ كأنّهم الزَّهْر، وصاحوا بين يدي السّلطان وسجدوا، وقالوا بصوت واحد: العفْو، ارحمْنا يرحَمَك الله. فرقَّ قلبُه ورحمهم، ورفع عنهم القتل.
قلت: هذه مجازفة متناقضة.
وكان بها طائفة من الأسرى فخلّصهم الله. وكانت أنطاكية للبَرّنس صاحب طرابُلُس، وهي مدينة عظيمة، مسافةُ سُورها اثنا عشر ميلا، وعددُ أبراجها مائةٌ وستّةٌ وثلاثون بِرجًا، وشُرُفاتها أربعٌ وعشرون ألفا، وفي داخلها جبلٌ وأشجارٌ ووحوش، وماء تجري، وفواكه مختلفة. وكان لها في يد النّصارى أكثر من مائةٍ وسبعين سنة أو نحوها.
ثمّ إنّه تسلَّم بغراس بالأمان، وكان قد هرب أكثر أهلها [2] .