قُلْتُ لِلْحَسَنِ: إِنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّكَ تُرِيدُ الخلافة، فقال: قد كَانَتْ جَمَاعَةُ الْعَرَبِ فِي يَدِي، يُحَارِبُونَ مَنْ حَارَبْتُ وَيُسَالِمُونَ مَنْ سَالَمْتُ، تَرَكْتُهَا ابْتِغَاءً لِوَجْهِ اللَّهِ وَحَقْنَ دِمَاءِ الْأُمَّةِ، ثُمَّ أَبْتَزُّهَا بِأَتْيَاسِ أَهْلِ الْحِجَازِ [1] .

ابْنُ عُيَيْنَةَ: ثَنَا أَبُو مُوسَى: سَمِعْتُ الْحَسَنَ يَقُولُ: اسْتَقْبَلَ الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ مُعَاوِيَةَ بِكَتَائِبٍ أَمْثَالِ الْجِبَالِ، فَقَالَ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ: وَاللَّهِ إِنِّي لَأَرَى كَتَائِبَ لَا تُوَلِّيَ أَوْ تَقْتُلَ أَقْرَانَهَا. وَقَالَ مُعَاوِيَةُ- وَكَانَ خَيْرَ الرَّجُلَيْنِ-: أَرَأَيْتَ إِنْ قَتَلَ هَؤُلَاءِ هَؤُلَاءِ، مَنْ لِي بِذَرَارِيهِمْ، مَنْ لِي بِأُمُورِهِمْ، مَنْ لِي بِنِسَائِهِمْ؟

قَالَ: فَبَعَثَ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ سَمُرَةَ، فَصَالَحَ الْحَسَنُ مُعَاوِيَةَ وَسَلَّمَ الْأَمْرَ لَهُ، وَبَايَعَهُ بِالْخِلَافَةِ عَلَى شُرُوطٍ وَوَثَائِقَ، وَحَمَلَ إِلَيْهِ مُعَاوِيَةُ مَالًا، يُقَالُ خَمْسَمِائَةِ أَلْفٍ فِي جُمَادَى الْأُولَى سَنَةَ إِحْدَى وَأَرْبَعِينَ [2] .

وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ بُرَيْدَةَ: قَدِمَ الْحَسَنُ فَاجْتَمَعَ بِمُعَاوِيَةَ بَعْدَ مَا أَسْلَمَ إِلَيْهِ الْخِلَافَةَ، فَقَالَ مُعَاوِيَةُ: لَأُجِيزَنَّكَ بِجَائِزَةٍ مَا أَجَزْتُ بِهَا أَحَدًا قَبْلَكَ وَلَا أُجِيزُ بِهَا أَحَدًا بَعْدَكَ، فَأَعْطَاهُ أَرْبَعَمِائَةِ أَلْفٍ، ثُمَّ إِنَّ الْحَسَنَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ رَجَعَ بِآلِ بيته من الكوفة ونزل المدينة.

قال ابْنِ عَوْنٍ، عَنْ عُمَيْرِ بْنِ إِسْحَاقَ قَالَ: عُدْنَا الْحَسَنَ بْنَ عَلِيٍّ قَبْلَ مَوْتِهِ، فَقَامَ وَخَرَجَ مِنَ الْخَلَاءِ فَقَالَ: إِنِّي وَاللَّهِ قَدْ لَفَظْتُ طَائِفَةً مِنْ كَبِدِي قَلّبْتُهَا بِعُودٍ، وَإِنِّي قَدْ سُقِيتُ السُّمَّ مِرَارًا فَلَمْ أُسْقَ مِثْلَ هَذَا قَطُّ، فَحَرَّضَ بِهِ الْحُسَيْنُ أَنْ يُخْبِرَهُ مَنْ سَقَاهُ، فَلَمْ يُخْبِرْهُ وَقَالَ: اللَّهُ أَشَدُّ نِقْمَةً إِنْ كَانَ الَّذِي أَظُنُّ، وَإِلَّا فَلَا يقتل بي، والله، بريء [3] .

وَقَالَ قَتَادَةُ: قَالَ الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ: لَمْ أسق مثل هذه المرّة.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015