قَالَ العماد الكاتب [1] : قَالَ لي الأفضل: كُنْت قَدْ فارقت أَخِي منذ تسع سنين، وما التقينا إلّا فِي هَذِهِ السّنة.
قَالَ: وأنشدني لنفسه فِي المعنى:
نَظَرْتُكَ نظرة من بَعْد تِسْعٍ ... تقضَّت بالتَّفرُّق من سِنين
وغضّ الطَّرْف [2] عَنْهَا طَرْفُ غدْرٍ ... مسافة قرب طَرْفٍ [3] من جبين [4]
فويح الدّهر لم يسمح بقرب [5] ... بعيد بِهِ الهجوعَ إلى الْجُفُون
فراقٌ [6] ثُمَّ يُعْقِبُهُ بَيْنٌ ... يُعيدُ إلى الحشا عَدَم السُّكون
ولا يُبدي جيوشَ القُربِ حَتَّى ... يرتّبَ جيشَ بُعْدٍ في الكمين
ولا يُدني محلّي منك إلّا ... إذا دارتْ رَحى الحربِ الزَّبُون
فَلَيْتَ الدّهرُ يسمح لي بأُخْرى ... ولو أمضى بها حُكْمَ المنون
[7] فقلت: للَّه درُّك ما أبدع هَذَا المعنى، فكاتِبْ أخاك بما فِيهِ استعطاف.
قَالَ العماد [8] : فلو تُرِك الأفضلُ وفِطْنته الذّكيّة، لجرت الأمور عَلَى السّداد، ولكنّ أصحابه وجلساءه أفسدوا أحواله، ورموا أكابر أمرائه بالمكاتبة والخيانة، فوقعت [9] الوحشة، وقالوا لَهُ: أَنْت أحقّ بالسّلطنة، وأنت أكبر الإخوة، وأنت وليّ عهد أبيك. فتفرَّق عَنْهُ كبراء دولته، وتوجّهوا إلى الْعَزِيز. فكان إذا