الدّائرة عَلَى الفِرَنج، وأسِر خلْقٌ منهم الملك كي، وأخوه جفْري، وصاحب جُبَيْل، وهنْفري بْن هَنْفري، والإبْرِنْس أرناط صاحب الكَرَك، وابن صاحب إسكندَرونة، وصاحب مَرَقيَّة [1] .
وما أحلى قول العماد الكاتب [2] : «فَمنْ شاهد القَتْلَى يومئذٍ قَالَ: ما هناك أسير، ومَن عايَنَ الأسرى قَالَ: ما هناك قتيل» .
قُلْتُ: ولا عَهْد للإسلام بالشّام بمثل هَذِهِ الوقعة من زمنَ الصّحابة.
فقتل السّلطانُ صاحبَ الكَرَك بيده لأنّه تكلَّم بما أغضب صلاح الدّين، فتنمّر وقام إِلَيْهِ طيَّر رأسه، فأُرْعِب الباقون.
وقَالَ ابن شدّاد [3] : بل كَانَ السّلطان نَذَر أن يقتله لأنّه سار ليملك الحجاز، وغَدَرَ وأخذ قَفْلا كبيرا، وَهُوَ الَّذِي كَانَ مقدَّم الفِرَنج نَوْبةَ الرملة لمّا كبسوا صلاح الدّين وكسروه سنة ثلاثٍ وسبعين.
وكان أرناط فارس الفِرَنج فِي زمانه، وَقَدْ وقع فِي أسْر الملك نور الدّين، وحبسه مدَّةً بقلعة حلب. فَلَمَّا مات نور الدّين وذهب ابنه إلى حلب وقصده صلاح الدّين غير مرَّةٍ ليأخذ حلب أطلق أرناط وجماعة من كبار الفرنج ليُعينوه عَلَى صلاح الدّين.
ثُمَّ قيَّد جميع الأسارى وحُمِلوا إلى الحصون، وأخذ السّلطان يومئذ منهم صليب الصّلبوت.