أبو العبّاس الحويزيّ [1] . وحويزة: بليدة بخوزستان.
قدِم بغداد، وتفقّه بالنّظاميَّة وتأدَّب، وقال الشِّعْر. ثمّ خدم في الدّيوان، وترقِّت حاله، وارتفعت منزلته، وصار عاملا عَلَى نهر المُلْك، فلم تُحمد سِيرتُه، وظَلَم في السّواد، وعَسَف.
وكان عابدا، قانتا، متهجّدا، كثير البكاء والخُشُوع والأوراد. وربما أتاه الأعوان فقالوا: إنّ فلانا قد ضربناه ضربا عظيما، فلم يحمل شيئا وهو عاجز.
فيبكي ويقول: يا سبحان اللَّه، قطعتم عليَّ وِرْدي واصلوا الضَّرب عَلَيْهِ. ثمّ يعود إلى وِرْده. ولا يخون في مال الدّولة، بل يتحرّى الأمانة حتّى في الشّيء اليسير.
قَالَ ابن الْجَوْزيّ [2] : كأنّه طمع بذلك أن يَرْقَى إلى مرتبةٍ أعلى [3] من مرتبته، وكنت في خَلْوة حمّام، وهو في خَلْوةٍ أخرى، فقرأ نَحْوًا من جزءين.
هجم عَلَيْهِ ثلاثةٌ من الشّرَاة فضربوه بالسّيوف، فجيء بِهِ إلى بغداد، فمات بعد ويْلات. وذلك في شعبان. وحُفَظ قبرُهُ من النَّبْش.
وظهر في قبره عَجَب، وهو أنّه خُسِف بقبره بعد دفْنه أذْرُعًا، وظهر من لعْنه وسبّه [4] ما لا يكون لِذِمّيّ.
قلت: روى عَنْهُ أبو جعفر عبد الله المظفَّريّ، رئيس الرؤساء جملة من شِعره، ومنه قوله:
الصَّبُّ مغلوبٌ عَلَى آرائه ... فَذَرُوهُ معشَرَ عاذِلِيه لِدَائِهِ
متى يُرَجَّى اللّائمون سلْوةً ... باللّوم وهو يزيد في إغرائهِ
ما كنت أبخل بالفؤاد عَلَى اللَّظَى ... لولا حبيب حَلّ في حَوْبائهِ
ولقد سكنت إلى مصاحبه الضّنا ... لمّا حمدت إليه حسن وفائه [5]