فاجتمعوا بملك الألمان، وخوّفوه من عساكر الشّرق وكثرتها، فرحل وعاد إلى بلاده، وهي وراء القسطنطينيَّة.
قلت: إنّما كَانَ أجل قدومه لزيادة القدس، فلمّا ترحّلوا سار نور الدّين محمود إلى حصن العزيمة، وهو للفرنج، فملكه. وكان في خدمته معين الدّولة أُنُر بعسكر دمشق.
وفيها كَانَ أول ظهور الدّولة الغوريَّة، وحشدوا وجمعوا. وكان خروجهم في سنة سبْعٍ وأربعين [1] .
وفيها نقب الحبس رضوان [2] ، الّذي كَانَ وزير الحافظ صاحب مصر، وهرب عَلَى خيل أُعِدَّت لَهُ، وعبَر إلى الجيزة. وكان لَهُ في الحبْس تسعُ سِنين.
وقد كنّا ذكرنا أنّه هرب إلى الشّام، ثمّ قدِم مصرَ في جمْعٍ كبير، فقاتل المصريّين عَلَى باب القاهرة وهزمهم، وقتل خلْقًا منهم، ودخل البلد، فتفرَّق جَمْعُه، وحبسه الحافظ عنده في القصر، وجمع بينه وبين أهله، وبقي إلى أن بعث الجيش يأتي من الصّعيد بجموع كثيرة، وقاتل عسكر مصر عند. جامع ابن طولون فهزمهم، ودخل القاهرة، وأَرسل إلى الحافظ يطلب منه رسم الوزارة عشرين ألف دينار، فبعثها إِلَيْهِ، ففرَّقها، وطلب زيادة، فأرسل إِلَيْهِ عشرين ألف أخرى، ثمّ عشرين ألف أخرى. وأخذ النّاس منه العطاء وتفرّقوا. وهيّأ الحافظ جَمْعًا كبيرا من العبيد وبعثهم، فأحاطوا بِهِ، فقاتلهم مماليكه ساعة. وجاءته ضربةٌ فقُتل [3] . ولم يستوزر الحافظ أحدا من سنة ثلاثٍ وثلاثين إلى أن مات.