وكان المقتفي يقرأ عليه شيئا من الكُتُب، وكان غزير العقل، متواضعا في ملبسه ورياسته، طويل الصّمت، لَا يقول الشّيء إلّا بعد التّحقيق والفكر الطّويل. وكثيرا ما كان يقول: لَا أدري.
وكان من أهل السُّنَّة. سمعتُ منه كثيرا من الحديث وغريب الحديث.
وقرأت عليه كتابه «المُعَرَّب» وغيره من التّصانيف [1] .
وقال ابن خَلِّكان [2] : صنَّف التّصانيف المفيدة، وانتشرت عنه، مثل «شرح كتاب أدب الكاتب» [3] ، وكتاب «المعرَّب» [4] ، وتتمَّة «دُرَّة الغَواص» [5] الّتي للحريريّ [6] . وخطّه مرغوبٌ فيه.
وكان يُصلّي بالمقتفي باللَّه، فدخل عليه، وهو أوّل ما دخل، فما زاد على أن قال: السّلام على أمير المؤمنين ورحمة الله تعالى.
فقال ابن التَّلميذ النَّصْرانيّ، وكان قائما وله إدْلالُ الخدمة والطَّبّ: ما هكذا يُسَلَّم على أمير المؤمنين يا شَيخ. فلم يلتفت إليه ابن الجواليقيّ، وقال:
يا أمير المؤمنين، سلامي هو ما جاءت به السُّنَّة النَّبَويَّة. وروى الحديث ثمّ قال:
يا أمير المؤمنين، لو حلف الحالف أنّ نصرانيّا أو يهوديّا لم يصِل إلى قلبه نوعٌ من أنواع العِلم على الوجه لَمَا لَزِمَتْه كَفّارة، لأنّ الله ختم على قلوبهم، ولن يفكّ ختْمَ الله إلّا الإيمان. فقال: صَدَقْتَ، وأحسنْتَ.
وكأنّما أُلْجِم ابنُ التلميذ بحجرٍ، مع فضْله وغزارة أدبه [7] .