وقد صار ذاك وذا أدْهَمًا ... يَعَضُّ بساقيَّ عَضَّ الأسُودِ [1]
وقيل: إنّ بنات المعتمد دخلن عليه السّجنَ في يوم عيدٍ، وكُنَّ يغْزِلن للنّاس بالأُجرة في أغْمات، فرآهنّ في أطمارٍ رثَّةٍ، فَصَدَعْنَ قلبه، فقال:
فيما مضى كنتَ بالأعياد مسرورًا ... فساءك [2] العيدُ في أَغْماتَ مأسورا
ترى بناتِك في الأطمار جائعةً ... يغزلن للناس لا [3] يملكن قِطْميرا
بَرَزْنَ نحوك للتّسليم خاشعةً ... أبصارهُنَّ حسيراتٍ مَكَاسيرا
يَطَأْنَ في الطِّين والأقدامُ حافيةٌ، ... كأنّها لم تَطَأَ مِسْكًا وكافورا
من بات بعدَكَ في مُلْكٍ يُسَرُّ به ... فإنّما بات بالأحلام مسرورا [4]
ودخل عليه ولده أبو هاشم، والقيود قد عضّت بساقيه، فقال:
قَيْدي، أما تَعْلَمُني مُسْلمًا ... أبيتَ أن تُشْفق أو تَرْحما
دمي شرابٌ لك، واللّحم قد ... أكلْتَه، لا تهشم الأعظُما
يُبصرني فيك أبو هاشمٍ ... فينثني، والقلب قد هُشِّما
ارْحم طُفَيْلًا طائشًا لُبُّه ... لم تَخشَ [5] أن يأتيك مسترحما
وارحم أُخَيّاتٍ له مثله ... جرّعتهُنَّ السُّمّ والعَلْقَما [6]
وللمعتمد، وقد أُحيط به:
لمّا تماسكتِ الدّموعُ ... وتَنَهْنَهَ [7] القلب الصّديع