فَقَالَ قوم: عثمان افضل، وقَالَ قوم: عَلِيّ أفضل. قال الدار قطنى: فتحاكموا إليّ، فأمسكت، وقلت الْأمساك خير، ثم لم أر لديني السكوت، فدعوت الَّذِي جاءني مستفتيا، وقلت: قل لهم: عثمان أفضل باتفاق جماعة أصحاب مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وهذا قول أهل السُّنَّة، وأول عقْد يُحِلَّ من الرفض.
قَالَ الخطيب: فسألت البَرْقَاني: هَلْ كَانَ أَبُو الْحَسَن يُمْلِي عليك العلل من حِفْظِه؟ قَالَ: نعم، وأنا الَّذِي جمعتها، وقرأها الناس من نسختي. ثم قَالَ الخطيب: وحدثني العتيقي، قَالَ: حضرت الدَّارَقُطْنيّ، وجاء أَبُو الْحُسَيْن البيضاوي يغرب ليسمع منه، فامتنع واعتلّ ببعض العلل، وقَالَ: هذا رَجُل غريب، وسأله أن يملى عليه أحاديث، فأملى عليه [1] أبو الْحُسَيْن من حفظه مجلسًا تزيد أحاديثه عَلَى العشرة [2] متون جميعها: «نِعْم الشيء الهدية [3] أمام الحاجة» ، فانصرف الرجل، ثم جاءه بعد، وقد أهدى له شيئًا، فقربه وأملى عَلَيْهِ من حفظه سبعة عشر حديثًا «إذا أتاكم كريم فأكرموه» [4] . وقَالَ مُحَمَّد بْن طاهر المقدسي: كَانَ قطنى مذهب فِي التدليس خَفِيّ، يَقُولُ فيما لم يسمعه من أَبِي القاسم البَغَوي: حدَّثَكم فلان.
قلت: وأخذ الدار قطنى عَنْ أَبِي بَكْر بْن مجاهد سماعًا، وقرأ عَلَى أَبِي بَكْر النَّقاش، وعَلِيّ بْن سَعِيد القزّاز، وأَحْمَد بْن بَويان، وأَحْمَد بْن مُحَمَّد الديباجي، وبرع فِي القراءات، وتصدّر فِي آخر أيامه للإقراء.