أَزِقَّتِهِمْ وَحُصُونِهِمْ كَرِهَ أَنْ يُمَكِّنَهُمْ مِنَ الْقِتَالِ فِي دُورِهِمْ وَحُصُونِهِمْ، وَحَفِظَ اللَّهُ لَهُ أَمْرَهُ وَعَزَمَ لَهُ عَلَى رُشْدِهِ، فَأَمَرَ أَنْ يُهْدَمَ الْأَدْنَى فَالْأَدْنَى مِنْ دُورِهِمْ، وَبِالنَّخْلِ أَنْ تُحَرَّقَ وَتُقَطَّعَ، وَكَفَّ اللَّهُ أَيْدِيَهُمْ وَأَيْدِي الْمُنَافِقِينَ فَلَمْ يَنْصُرُوهُمْ، وَأَلْقَى فِي قُلُوبِ الْفَرِيقَيْنِ الرُّعْبَ. ثُمَّ جَعَلَتِ الْيَهُودُ كُلَّمَا خَلُصَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ هَدْمِ مَا يَلِي مَدِينَتَهُمْ، أَلْقَى اللَّهُ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ، فَهَدَمُوا الدُّورَ الَّتِي هُمْ فِيهَا مِنْ أَدْبَارِهَا، وَلَمْ يَسْتَطِيعُوا أَنْ يَخْرُجُوا عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَأَصْحَابُهُ يَهْدِمُونَ شَيْئًا فَشَيْئًا. فَلَمَّا كَادَتِ الْيَهُودُ أَنْ تَبْلُغَ آخِرَ دُورِهَا، وَهُمْ يَنْتَظِرُونَ الْمُنَافِقِينَ وَمَا كَانُوا مَنَّوْهُمْ، فَلَمَّا يَئِسُوا مِمَّا عِنْدَهُمْ، سَأَلُوا النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الَّذِي كَانَ عَرَضَ عَلَيْهِمْ قَبْلَ ذَلِكَ، فَقَاضَاهُمْ عَلَى أَنْ يُجْلِيَهُمْ، وَلَهُمْ أَنْ يَحْمِلُوا مَا اسْتَقَلَّتْ بِهِ الْإِبِلُ إِلَّا السِّلَاحَ. وَطَارُوا كُلَّ مُطَيَّرٍ، وَذَهَبُوا كُلَّ مَذْهَبٍ. وَلَحِقَ بَنُو أَبِي الْحَقِيقِ بِخَيْبَرَ وَمَعَهُمْ آنِيَةً كَثِيرَةً مِنْ فِضَّةٍ، فَرَآهَا النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَالْمُسْلِمُونَ. وَعَمَدَ حُيَيُّ بْنُ أَخْطَبَ حَتَّى قَدِمَ مَكَّةَ عَلَى قُرَيْشٍ، فَاسْتَغْوَاهُمْ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وَبَيَّنَ اللَّهُ لِرَسُولِهِ حَدِيثَ أَهْلِ النِّفَاقِ، وَمَا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْيَهُودِ، وَكَانُوا قَدْ عَيَّرُوا الْمُسْلِمِينَ حِينَ قَطَعُوا النَّخْلَ وَهَدَمُوا. فَقَالُوا: مَا ذَنْبُ الشَّجَرَةِ وَأَنْتُمْ تَزْعُمُونَ أَنَّكُمْ مُصْلِحُونَ؟ فَأَنْزَلَ اللَّهُ " سَبَّحَ لِلَّهِ ". ثُمَّ جَعَلَهَا نَفْلًا لِرَسُولِهِ، فَقَسَّمَهَا فِيمَنْ أَرَاهُ اللَّهُ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ. وَأَعْطَى مِنْهَا أَبَا دُجَانَةَ سِمَاكَ بْنَ خَرَشَةَ، وَسَهْلَ بْنَ حُنَيْفٍ، الْأَنْصَارِيَّيْنِ. وَأَعْطَى - زَعَمُوا - سَعْدَ بْنَ مُعَاذٍ سَيْفَ ابْنِ أَبِي الْحَقِيقِ.
وَكَانَ إِجْلَاءُ بَنِي النَّضِيرِ فِي الْمُحَرَّمِ سَنَةَ ثَلَاثٍ. وَأَقَامَتْ بَنُو قُرَيْظَةَ فِي الْمَدِينَةِ في مساكنهم، لم يؤمر فيهم النبي - صلى الله عليه وسلم - بقتال وَلَا إِخْرَاجٍ حَتَّى فَضَحَهُمُ اللَّهُ بِحُيَيِّ بْنِ أَخْطَبَ وَبِجُمُوعِ الْأَحْزَابِ.
هَذَا لَفْظُ مُوسَى، وَحَدِيثُ عُرْوَةَ بِمَعْنَاهُ، إِلَى إِعْطَاءِ سَعْدٍ السَّيْفَ.
وَقَالَ مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ وَغَيْرُهُ، عَنْ نَافِعٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَطَعَ نَخْلِ بَنِي النَّضِيرِ وَحَرَّقَ. وَلَهَا يَقُولُ حَسَّانُ بْنُ ثَابِتٍ: