كانت وقعة القادسية بالعراق في آخر السنة فيما بَلَغَنَا، وكان على النَّاس سعد بْن أبي وقاص، وعلى المشركين رُسْتُم ومعه الجالينوس وذو الحاجب.
قَالَ أَبُو وائل: كان المسلمون مَا بين السبعة إلى الثمانية آلاف. ورستم في ستين ألفًا، وقيل: كانوا أربعين ألفًا، وكان معهم سبعون فيلًا.
وذكر المدائني أنهم اقتتلوا قتالًا شديدًا ثلاثة أيام في آخر شوال، وقيل: في رمضان، فقُتِل رُسْتُم وانهزموا، وقيل إنّ رُستم مات عَطَشًا، وتبعهم المسلمون فقتل جالينوس وذو الحاجب، وقتلوهم ما بين الخرار إلى السيلحين إلى النجف، حتى ألجؤوهم إلى المدائن، فحصروهم بها حتى أكلوا الكلاب، ثُمَّ خرجوا على حامية بعيالهم فساروا حتى نزلوا جلولاء.
قَالَ أَبُو وائل: اتّبعناهم إلى الفرات فهزمهم الله، واتّبعناهم إلى الصَّراة فهزمهم الله، فألجأناهم إلى المدائن.
وعن أبي وائل قَالَ: رأيتُني أعبر الخندق مَشْيًا على الرجال، قتل بعضهم بعضًا.
وعن حبيب بْن صهبان قَالَ: أصبْنا يَوْمَئِذٍ من آنية الذهب حتى جعل الرجل يَقُولُ: صفراء ببيضاء، يعني ذهبًا بفضة. -[85]-
وَقَالَ المدائني: ثُمَّ سار سعد من القادسية يتبعهم، فأتاه أهل الحيرة فقالوا: نحن على عهدنا. وأتاه بسطام فصالحه، وقطع سعدُ الفرات، فلقي جمعًا عليهم بَصْبَهرا، فقتله زُهرة بْن حويَّة، ثُمَّ لقوا جمعًا بكُوثا عليهم الفيْرُزان فهزموهم، ثُمَّ لقوا جمعًا كثيرًا بدير كعب عليهم الفَرُّخان فهزموهم، ثُمَّ سار سعد بالنّاس حتى نزل المدائن فافتتحها.
وأما محمد بْن جرير فإنه ذكر القادسية في سنة أربع عشرة، وذكر أن في سنة خمس عشرة مَصَّر سعد الكوفة، وأنّ فيها فرض عُمَر الفروض وَدَوَّنَ الدواوين، وأعطى العطاء على السابقة.
قَالَ: ولمّا فتح الله على المُسْلِمين غنائم رستم، وقدمت على عُمَر الفتوح من الشام والعراق جمع المُسْلِمين، فَقَالَ: مَا يحلّ لِلْوَالِي من هذا المال؟ قالوا: أما لخاصَّته فقوتُهُ وَقُوتُ عياله لَا وَكْسَ ولا شَطَطَ، وكسوته وكسوتهم، ودابتان لجهاده وحوائجه، وحمّالته إلى حجه وعمرته، والقسم بالسوية أن يعطى أهل البلاء على قدر بلائهم، ويرمَّ أمور المُسْلِمين ويتعاهدهم. وفي القوم عليّ رضي الله عنه ساكت، فَقَالَ: مَا تقول يا أبا الحسن؟ فَقَالَ: مَا أصْلَحَكَ وأصلَحَ عِيالك بالمعروف.
وقيل: إنّ عُمَر قعد على رزق أبي بكر حتى أشتدّت حاجتُهُ، فأرادوا أن يزيدوه فأبى عليهم.
وكان عمّاله في هذه السنة: عَتّاب بْن أسيد، كذا قَالَ ابن جرير، وقد قدمنا موت عتاب، قَالَ: وعلى الطائف يَعْلَى بْن مُنية، وعلى الكوفة سعد، وعلى قضائها أَبُو قُرَّةَ، وعلى البصرة المُغِيرَة بْن شُعْبَة، وعلى اليمامة والبحرين عثمان بْن أبي العاص، وعلى عُمان حذيفة بن محصن، وعلى ثغور الشام أَبُو عبيدة بْن الجراح.