كان عُمَر قد بعث في سنة ثلاث عشرة جيشًا، عليهم أبو عبيد الثقفي رضي الله عنه، فلقي جابان في سنة ثلاث عشرة - وقيل: في أول سنة أربع عشرة - بين الحيرة والقادسية. فهزم الله المجوس، وأُسِر جابان، وقُتِل مردانشاه، ثُمَّ إن جابان فدى نفسه بغلامين وهو لَا يعرف أنه المقدَّم، ثُمَّ سار أَبُو عُبَيْد إلى كَسْكَر فالتقى هو ونَرْسِيّ فهزمه، ثُمَّ لقي جالينوس فهزمه. -[76]-
ثُمَّ إن كسرى بعث ذا الحاجب، وعقد له على اثني عشر ألفًا، ودفع إليه سلاحًا عظيمًا، والفيل الأبيض، فبلغ أبا عُبَيْد مسيرهم، فعبر الفرات إليهم وقطع الجسر، فنزل ذو الحاجب قَسّ النَّاطِف، وبينه وبين أبي عُبَيْد الفرات، فأرسل إلى أبي عُبَيْد: إمّا أن تعبر إلينا وإما أن نعبر إليك. فَقَالَ أَبُو عُبَيْد: نَعْبُرُ إليكم، فعقد له ابن صَلُوبا الجسر وعبر، فالتقوا في مضيق في شوال. وقدم ذو الحاجب جالينوس معه الفيل، فاقتتلوا أشدّ قتالٍ، وضرب أَبُو عُبَيْد مِشْفَرَ الفيل، وضرب أَبُو مِحْجَن عرقُوبة.
ويقال: إنّ أبا عُبَيْد لما رأى الفيل قَالَ:
يا لك من ذي أربعٍ مَا أكبرك ... لأضربنّ بالحسام مِشْفرَكْ
وَقَالَ: إنْ قُتِلْتُ فعليكم ابني جَبْر، فإن قُتِل فعليكم حبيب بْن ربيعة أخو أبي مِحْجَن، فإن قتل فعليكم أخي عبد الله. فقُتِل جميع الأمراء، واستحر القتل في المُسْلِمين فطلبوا الجسر، وأخذ الراية المثني بْن حارثة فحماهم في جماعةٍ ثبتوا معه، وسبقهم إلى الجسر عبد الله بْن يزيد فقطعه، وَقَالَ: قاتِلوا عَنْ دينكم، فاقتحم النَّاس الفرات، فغرق ناسٌ كثير، ثُمَّ عقد المثنى الجسر وعبره النَّاس.
وأستُشْهِد يَوْمَئِذٍ فيما قَالَ خليفة ألفٌ وثمانمائة، وَقَالَ سيف: أربعة آلاف مَا بين قتيل وغريق.
وعن الشَّعْبِيّ قَالَ: قُتِل أَبُو عُبَيْد في ثمانمائة من المُسْلِمين.
وَقَالَ غيره: بقي المثنى بْن حارثة الشيباني على النَّاس وهو جريح إلى أن توفي، واستخلف على النَّاس ابن الخصاصية كما ذكرنا.