فيها تُوُفيّ أحمد بن صالح المِصْريُّ، والحسين الكرابيسيّ، وطاهر بن عبد الله الأمير، وعبد الجبار بْن العلاء، وعبد المُلْك بْن شُعَيب بْن اللَّيْث، وعيسى بن حمّاد زُغْبة، والقاسم بن عثمان الْجَوْعيّ، ومحمد بن حُمَيْد الرّازيّ، والمنتصر بالله محمد، ومحمد بن زُنْبُور المكّيّ، وأبو كُرَيْب محمد بن العلاء، ومحمد بن موسى الحرشي، وأبو هشام الرفاعي.
وفيها وقع بين الوزير أحمد بن الخصيب وبين وصيف التُّرْكيّ وحْشَةٌ، فأشار الوزير على المنتصر أن يُبْعِدَ عنه وَصِيفًا، وخوَّفه منه، فأرسل إليه: إنّ طاغية الروم أقبل يريد الإسلام، فسِرْ إليه. فاعتذر، فأحضره وَقَالَ: إِمَّا أَنْ تَخْرُجَ أَنْتَ أَوْ أَخْرُجَ، فقال: لا، بل أخرج أنا، فانتخب المنتصر معه عشرة آلاف، وأنفق فيهم الأموال، وساروا. ثمّ بعث المنتصر إلى وصيف يأمره بالمقام بالثغر أربع سنين.
وفي صفر خَلَعَ المعتزّ والمؤيَّد أنفسَهُما من العهد مُكْرَهَيْن؛ لمّا استقامت الأمور للمنتصر ألحّ عليه أحمد بن الخصيب، ووَصِيف، وبُغا في خلعهما خوفًا من موته قبل المعتزّ، فيهلكهم المعتزّ. وكان المنتصر مكرِمًا للمعتزّ والمؤيد إلى أربعين يومًا من خلافته، ثمّ جعلهما في حُجْرة، فقال المعتزّ لأخيه: أحضرنا يا شقيّ هنا للخلْع، قال: ما أظنّه يفعل، فجاءتهم الرُّسُل بالخَلْع، فأجاب المؤيّد، وامتنع المعتزّ، وقال: إن كنتم تريدون قتْلي فافعلوا.
فمضوا وعادوا فحبسوه في بيتٍ، وأغلظوا له، ثمّ دخل عليه أخوه المؤيّد وقال: يا جاهل قد رأيت ما جرى على أبينا، وأنت أقربُ إلى القتل، اخلَعْ ويلك، فإن كان في عِلْم الله أنّك تلي لَتَلِيَنَّ، فخلع نفسه، وكتبا على أنفسهما أنّهما عاجزان، وقصْدنا أن لا يأثَم المتوكّل بسببنا، إذ لم نكن له موضعًا. واعترفا بذلك في مجلس العامّة بحضرة جعفر بن عبد الواحد الهاشميّ، ووَصِيف، وبُغا، ومحمد بن عبد الله بن طاهر، وبُغا الصّغير، وأعيان بني عمّهما. فقال لهما المنتصر: أَتَرَياني خلعتكما طمعًا في أن أعيش بعدكما حتّى يكبر ولدي عبد الوهَّاب وأُبايع له؟ والله ما طمعت في ذلك، ووالله لأن يلي بنو أبي أحبّ إليَّ من أن يلي بنو عمّي، ولكنّ هؤلاء - وأومأ إلى الأمراء - -[990]- ألحّوا عليَّ في خلْعكما، فخفت عليكما من القتْل إن لم أفعل، فما كنت أصنعُ؟ أقتلهم؟ فوالله ما تفي دماؤهم كلُّهم بدم بعضكما. فأكبّا عليه فقبّلا يده وضَمَّهُما إليه وانصرفا.
وفيها حكم محمد بن عمر الخارجيّ بناحية الموصل؛ ومال إليه خلق، فسار لحربه إسحاق بن ثابت الفَرَغانيّ، فالتقوا، فقُتِل جماعة من الفريقين، ثمّ أسِر محمد وجماعة، فقتلوا وصلبوا إلى جانب خشبة بابك.
وفيها قويت شوكة يعقوب بن اللَّيْث الصَّفّار، واستولى على مُعْظم إقليم خُراسان، وسار من سِجِسْتان ونزل هراة، وفرّق في هذه الأموال.
وفيها قُتِل المنتصر بالله بالذَّبْحة، وهي الخوانيق، وقيل: إنه سم، وبُويع بعده المستعين بالله أبو العباس أحمد بن المعتصم. وأمّه أمّ ولد، اسمها مُخَارِق.
وكان مليحا أبيض بوجهه أثر جُدَرِيّ، وكان أَلْثَغ، ولمّا هلك المنتصر اجتمع القُوّاد وتشاوروا، وذلك برأي ابن الخصيب، فقال لهم أُوتَامِش: متى وليْتم أحدًا من ولد المتوكّل لا يبقي منا أحدا، فقالوا: ما لها إلا أحمد بن المعتصم ولَد أُستاذنا، فقال محمد بن موسى المنجّم سرّا: أَتُوَلُّون رجلا عنده أنُّه أحقّ بالخلافة من المتوكّل وأنتم دفعتموه عنها؟ ولكن اصطَنِعوا إنسانًا يعرف ذلك لكم، فلم يقبلوا منه، وبايعوا أحمد المستعين وله ثمانٍ وعشرون سنة، فاستكتب أحمد بن الخصيب، واستوزر أوتامِش. فبينا هو قد دخل دار العامة في دَسْت الخلافة، إذا جماعة من الشّاكريّة والغَوْغاء وبعض الْجُنْد، وهم نحو ألف، قد شهروا السَّلاح وصاحوا: المعتز يا منصور، ونشبت الحرب بين الفريقين، وقُتل جماعة، فخرج المستعين عن دار العامّة وأتى إلى القصر الهارونيّ، فبات به. ودخل الغَوْغاء دار العامّة، فنهبوا خزائن السّلاح، ونهبوا دُورًا عديدة. وكثُرت الأسلحة واللامَة عليهم، فأجلاهم بُغَا الصَّغير عن دار العامّة، وكثُرت القتلى بينهم. فوضع المستعين العطاء فسكنوا. وبعث بكتاب البَيْعة إلى محمد بن عبد الله بن طاهر إلى بغداد، فبايع له النّاس، وأعطى المستعين أحمد بن الخصيب أموالا عظيمة.
ثمّ في هذه السنة، في رجب أو قبله، نفاه إلى أقْرِيطش، ونهب أمواله بعد المحبّة الزائدة، وذلك بتدبير أوتامش، وحطّه عليه عند المستعين.
وفيها عقد المستعين لمحمد بن عبد الله بن طاهر على العراق والحرمين -[991]- والشرطة، وتُوُفّي أخوه طاهر بن عبد الله بُخراسان، فعقد المستعين لابنه محمد بن طاهر على خراسان.
ومات بُغا الكبير في جُمَادَى الآخرة، فعقد المستعين لابنه موسى بن بُغا على أعمال أبيه.
وفيها حبس المستعين المعتزّ والمؤيّد، وضيّق عليهما، واشترى أكثر أملاكهما كُرْهًا، وجعل لهما في السنة نحو ثلاثة وعشرين ألف دينار.
وفيها أخرج أهل حمص عاملهم، فراسلهم وخدعهم حتى دخلها، فقتل منهم طائفة، وحمل من أعيانهم مائة إلى العراق، وهدم سور حمص.
وفيها عقد المستعين لأوتامش على مصر والمغرب مع الوزارة، ففرق في الْجُنْد ألفي ألف دينار.
وفيها غزا وصيف الصائفة.
وفيها نفي المستعين عُبَيْد الله بن يحيى بن خاقان إلى برقة.