14 - أحمد بن أبي دؤاد بن حريز، القاضي أبو عبد الله الأيادي البصري ثم البغدادي. واسم أبيه: الفرج.

14 - أحمد بْن أبي دؤاد بْن حَرِيز، القاضي أبو عبد الله الأياديّ الْبَصْرِيُّ ثم البَغْداديُّ. واسم أبيه: الفَرَج. [الوفاة: 231 - 240 ه]

ولى القضاء للمعتصم وللواثق بالله، وكان مصرِّحًا بمذهب الْجَهْميّة، داعيةً إلى القول بخلْق القرآن. وكان موصوفًا بالْجُود والسّخاء، وحسن الخُلُق، وغزارة الأدب.

قال الصُّولِيّ: كان يُقال: أكرم من كان في دولة بني العبّاس البرامكة، ثم ابن أبي دؤاد، لولا مَا وَضع به نفسه من محبّة المِحْنة لاجتمعت الألْسُنُ عليه، ولَمْ يُضَفْ إلى كرمه كرم أحد.

ولد ابن أبي دؤاد سنة ستّين ومائة بالبصرة.

قال حَرِيز بْن أحمد بن أبي دؤاد: كان أبي إذا صلّى رفع يده إلى السماء وخاطب ربه وقال:

ما أنت بالسَّبب الضَّعيفِ وَإنَّما

. . .

نُجْحُ الْأُمُورِ بقُوَّةِ الأسبابِ ... فاليومَ حاجَتُنَا إليك، وإنَّما

. . .

يُدْعَى الطّبيبُ لساعةِ الأَوْصَابِ

وقال أبو العَيْنَاء: كان أحمد بن أبي دؤاد شاعرًا مُجيدًا، فصيحًا بليغًا، ما رأيتُ رئيسًا أفصح منه. وقال فيه بعضُ الشعراء:

لقد أَنْسَتْ مساوئَ كلِّ دهر

. . .

محاسن أحمد بن أبي دؤاد ... وما سافرتُ فِي الآفاق إِلَّا

. . .

ومن جَدْوَاك راحِلتي وزادي

يُقيمُ الظّنُّ عندك والأماني

. . .

وإنْ قلقت ركابي في البلاد

وقال الصولي: حدثنا عَوْن بْن محمد الكِنْدِيّ قال: لَعَهْدِي بالكَرْخ، وإن رجلا لو قال: ابن أبي دؤاد مُسلم لقُتِل في مكانه. ثُمَّ وقع الحريق في الكرخ، وهو الذي لَمْ يكن مثله قطّ. كان الرجلُ يقوم في صينّية شارع الكَرْخ فيرى السفن في دجلة. فكلم ابن أبي دؤاد المعتصمَ في النّاس وقال: يا أمير المؤمنين رعيّتك في بلد آبائك ودار مُلْكهم، نزل بهم هذا الأمر، فاعِطْف -[759]- عليهم بشيء يُفَرَّقُ فيهم، يُمسك أرماقهم ويبنون به ما انْهَدَمَ. فلَم يزل يُنازله حتّى أطلق له خمسة آلاف ألف درهم، فقال: يا أمير المؤمنين إنْ فَرّقها عليهم غيري خفتُ أن لا يقسّم بالسَّويَّة. قال: ذاك إليك، فقسّمها على مقادير ما ذهبَ منهم، وغرِم من ماله جُملة.

قال عون: فلَعَهْدِي بالكَرْخ بعد ذلك، وإنّ إنسانًا لو قال: زر ابن أبي دؤاد وسخ لقتل.

وقال ابن دريد: أخبرنا الحسن بْن الخضِر قال: كان ابن أبي دؤاد مؤالفًا لأهل الأدب من أيّ بلد كانوا. وكان قد ضمّ إليه جماعة يموّنهم، فلمّا مات اجتمع ببابه جماعة منهم، فقالوا: يُدفن مَن كان على ساقِه الكرم وتاريخ الأدب ولا نتكلّم فيه؟ إنّ هذا لَوَهْنٌ وتقصير. فلمّا طلع سريره قام ثلاثة منهم، فقال أحدهم:

اليوم مات نظامُ الفَهْم واللَّسْن

. . .

ومات مَنْ كان يُسْتعدي على الزَّمَنِ ... وأظلمَتْ سُبُل الآداب إذ حُجِبَتْ

. . .

شَمسُ المكارم في غيمٍ من الكفنِ

وقال الثاني:

ترك المنابرَ والسّريرَ تواضعا

. . .

وله منابر لو يشا وسَريرُ ... ولِغَيْره يُجْبَى الخَراجُ وإنّما

. . .

تُجْبَى إليه مَحامدٌ وأجورُ

وقال الثالث:

وليس نسيمَ المِسْك ريحَ حَنُوطه

. . .

ولكنه ذاك الثناء المخلَّفُ ... وليس صرير النعش ما يسمعونه

. . .

ولكنّها أصلابُ قوم تُقَصَّفُ

قال أبو رَوْق الهِزّانيّ: حكى لي ابنُ ثعلبة الحنفيّ عن أحمد بن المعذل أن ابن أبي دؤاد كتب إلى رجلٍ من أهل المدينة: إنْ تابَعتَ أمير المؤمنين في مقالته استوجبتَ حُسن المكافأة. فكتبَ إليه: عَصَمَنا اللَّهُ وإيَّاك من الفتنة. الكلامُ في القرآن بدعة يشترك فيها السّائل والمجيب، تعاطى السّائل ما لَيْسَ له، وتكلَّفَ المجيبُ ما ليس عليه. ولا نعلمُ خالقًا إلّا اللَّه، وما سواهُ مخلوق إلّا القرآنُ، فإنّه كلامُ اللَّه.

وعن المهتدي بالله محمد ابن الواثق قال: كان أبي إذا أراد أن يقتلَ رجلًا أحضَرَنَا ذلك المجلس. فَأُتِيَ بشيخٍ مخضوبٍ مقيَّد، فقالَ أبي: ائذنوا لابن أبي دؤاد وأصحابه. فأُدْخِلَ الشيخُ، فقالَ: السلامُ عليك يا أمير المؤمنين. فقال -[760]- له: لا سلّم اللَّه عليك. قال: بئس ما أدبك مؤدبك. فقال له ابن أبي دؤاد: يا شيخ ما تقول في القرآن؟ فقال: لَمْ تُنْصِفْنِي، وُلِّيَ السّؤال. قال: سَلْ. قال: ما تقول في القرآن؟ قال: مخلوق. قال: هذا شيءٌ عَلِمَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَأَبُو بَكْرٍ، وعمر، والخلفاء الراشدون، أم شيء لَم يعلموه؟ فقال - يعني ابن أبي دؤاد -: شيء لم يعلموه. فقال: سبحان الله، شيء لَم يعلمه رَسُول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ -، وَلا أبو بكر، ولا الخلفاء الراشدون علمته أنت. فخجل ابن أبي دؤاد فقال: أقِلْنِي. قال: أَقَلْتُك. ما تقول في القرآن؟ قال: مخلوق. قال: هذا شيء علمه رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - والخلفاء؟ قال: علموه، ولِم يَدْعوا النّاس إليه. قال: أفلا وَسِعَكَ ما وَسِعَهُم؟ فقام أبي الواثق ودخل خُلْوَته، واستلقى على ظهره وهو يقول: هذا شيء لَم يعلمه النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَلا أَبُو بَكْرٍ، ولا عمر، ولا عثمان، ولا عليّ، ولَم يدعوا إليه، أفلا وسِعك مَا وَسِعَهم. ثُمَّ دعا عمّارًا الحاجب، وأمره أن يرفع عنه القيود، ويُعطيه أربعمائة دينار، وسقط من عينيه ابن أبي دؤاد، ولم يمتحن بعدها أحدا. قلت: في رواتها غير مجهول.

قال ثعلب: أنشدني أبو الحَجّاج الأعرابيّ:

نَكَسْتَ الدين يا ابن أبي دؤاد

. . .

فأصبح من أطاعكَ في ارتدادِ ... زَعمت كلام ربّك كان خَلْقًا

. . .

أما لكَ عند ربّك من مَعَادِ؟

كلامُ اللَّه أنزله بعِلْمٍ

. . .

وأنزله على خير العباد ... وَمَنْ أمسى ببابِكَ مُستضيفًا

. . .

كَمَنْ حلّ الفَلاةَ بغير زَادِ

لقد أظرفْتَ يا ابن أبي دؤاد

. .

بقولك إنّني رجلٌ إيادي

وقال أبو بكر الخلال في كتاب " السنة ": حدثنا الحَسَن بْن أيّوب المخرّميّ قال: قلتُ لأحمد بن حنبل: ابن أبي دؤاد؟ قال: كافر بالله العظيم.

وقال: حدثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ، قَالَ: سمعت أبي يقول: سمعت بشر بن الوليد يقول: استتبت ابن أبي دؤاد من: القرآن مخلوق في لَيْلَةٍ ثلاث مرّات، يتوب ثُمَّ يرجع.

وقال: حدَّثَنِي محمد بْن أبي هارون، قال: حدثنا إسحاق بْن إبراهيم بْن -[761]- هانئ، قال: حضرتُ العيد مع أبي عبد اللَّه، فإذا بقاصٍّ يقول: على ابن أبي دؤاد لعنة الله، وحشا اللَّه قبره نارًا. فقال أبو عبد الله: ما أنفعهم للعامّة.

وقال خالد بْن خِداش: رأيتُ في المنام كأنّ آتيًا أتاني بطَبَق، فقال: اقرأه. فقرأت: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ. ابن أبي دؤاد يريد أن يمتحن النّاسَ. فمن قال: القرآن كلامُ اللَّه، كُسِيَ خاتَمًا من ذَهَب، فَصُّهُ ياقوتة حمراء، وأدخله اللَّه الجنّة وغفر له. ومن قال: القرآنُ مخلوق، جُعِلت يمينه يمين قرد، فعاش بعد ذلك يومًا أو يومين ثُمَّ يصير إلى النار. ورأيتُ قائلًا يقول: مسخ ابن أبي دؤاد، ومُسِخَ شعيب، وأصاب ابن سَمَاعة فالج، وأصابَ آخر الذَّبْحَة - ولَمْ يُسَمَّ -.

هذا منام صحيح الإسناد، وشُعَيب هو ابن سهل القاضي من الجهمية.

وقد رمي ابن أبي دؤاد بالفالج وشاخ، فعن أبي الْحُسَين بْن الفضل: سمع عبد العزيز بْن يحيى المكيّ قال: دخلتُ عَلَى أَحْمَد بْن أَبِي دُؤاد وهو مفلوج، فقلتُ: لَم آتِكَ عائدًا، ولكنْ جئتُ لأحمد اللَّه على أنْ سَجَنَكَ في جِلْدِك.

وقال الصولي: حدثنا المغيرة بْن محمد المهلَّبيّ قال: مات أبو الوليد محمد بن أحمد بن أبي دؤاد هو وأبوهُ منكوبَيْن في ذي الحجة، سنة تسعٍ وثلاثين، ومات أبوه يوم السّبت لسبْعٍ بقين من المحرَّم سنة أربعين.

قال الصُّوليّ: ودفن في داره ببغداد.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015