-وَفَاةُ فَاطِمَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا [المتوفاة: 11 ه]
وَهِيَ سَيِّدَةُ نِسَاءِ هَذِهِ الْأُمَّةِ، كُنْيَتُهَا فِيمَا بَلَغَنَا: أُمُّ أبيها. دخل بها علي رضي الله عنه بَعْدَ وَقْعَةِ بَدْرٍ، وَقَدِ اسْتَكْمَلَتْ خَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً أَوْ أَكْثَرَ.
رَوَى عَنْهَا: ابْنُهَا الْحُسَيْنُ، وَعَائِشَةُ، وَأُمُّ سَلَمَةَ، وَأَنَسٌ، وَغَيْرُهُمْ.
وَقَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَسَرَّ إِلَيْهَا فِي مَرَضِهِ.
وَقَالَتْ لِأَنَسٍ: كَيْفَ طَابَتْ أَنْفُسُكُمْ أَنْ تُحْثُوَا التُّرَابَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟
وَلَهَا مَنَاقِبُ مَشْهُورَةٌ، وقد جَمَعَهَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَاكِمِ.
وَكَانَتْ أَصْغَرَ مِنْ زَيْنَبَ وَرُقَيَّةَ، وَانْقَطَعَ نَسَبُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَّا مِنْهَا؛ لِأَنَّ أُمَامَةَ بِنْتَ بِنْتِهِ زَيْنَبَ تَزَوَّجَتْ بِعَلِيٍّ، ثُمَّ بَعْدَهُ بِالْمُغِيرَةِ بْنِ نَوْفَلٍ، وَجَاءَهَا مِنْهُمَا أَوْلَادٌ. قَالَ الزُّبَيْر بْنُ بَكَّارٍ: انْقَرَضَ عَقِبُ زَيْنَبَ.
وَصَحَّ عَنِ الْمِسْوَرِ أَنّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " إِنَّمَا فَاطِمَةُ بِضْعَةٌ مِنِّي، يُرِيبُنِي مَا رَابَهَا وَيُؤْذِينِي مَا آذَاهَا ".
وَفِي فَاطِمَةَ وَزَوْجِهَا وَبَنِيهَا نَزَلَتْ: {إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرا}، -[30]- فجللهم رسول الله بِكِسَاءٍ وَقَالَ: " اللَّهُمَّ، هَؤُلَاءِ أَهْلُ بَيْتِي ".
وَأَخْرَجَ التِّرْمِذِيُّ مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ أَنَّهَا قِيلَ لَهَا: أي الناس كَانَ أَحَبَّ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قَالَتْ: فَاطِمَةُ مِنْ قِبَلِ النِّسَاءِ، وَمِنَ الرِّجَالِ زَوْجُهَا، وَإِنْ كَانَ ما علمت صواما قواما.
وفي الترمذي عن زيد أَرْقَمَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لِعَلِيٍّ وَفَاطِمَةَ وَابْنَيْهِمَا: " أَنَا حَرْبٌ لمن حاربتم، سلم لمن سالمتم ".
وَقَدْ أَخْبَرَهَا أَبُوهَا أَنَّهَا سَيِّدَةُ نِسَاءِ هَذِهِ الْأُمَّةِ فِي مَرَضِهِ كَمَا تَقَدَّمَ.
وَخَلَّفَتْ مِنَ الْأَوْلَادِ: الْحَسَنَ، وَالْحُسَيْنَ، وَزَيْنَبَ، وَأُمَّ كُلْثُومٍ. فَأَمَّا زَيْنَبُ فَتَزَوَّجَهَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَعْفَرٍ، فَتُوُفِّيَتْ عِنْدَهَ وَوَلَدَتْ لَهُ عَوْنًا وَعَلِيًّا.
وَأَمَّا أُمُّ كُلْثُومٍ فَتَزَوَّجَهَا عُمَرُ، فَوَلَدَتْ لَهُ زَيْدًا، ثُمَّ تَزَوَّجَهَا بَعْدَ قَتْلِ عُمَرَ عَوْنُ بْنُ جَعْفَرٍ فَمَاتَ. ثُمَّ تَزَوَّجَهَا أَخُوهُ مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، فولدت له نبتة. ثم تزوج بها أخوهما عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَعْفَرٍ، فَمَاتَتْ عِنْدَهُ. قَالَهُ الزُّهْرِيُّ.
وَقَالَ الْأَعْمَشُ عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ، عَنْ أَبِي الْبَخْتَرِيِّ قَالَ: قَالَ عَلِيٌّ -[31]- لِأُمِّهِ: اكْفِي فَاطِمَةَ الْخِدْمَةَ خَارِجًا، وَتَكْفِيكِ الْعَمَلَ في البيت والعجن والخبز والطحن.
أبو العباس السراج قال: حدثنا محمد بن الصباح قال: حدثنا عَلِيُّ بْنُ هَاشِمٍ عَنْ كَثِيرٍ النَّوَّاءِ، عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ - أَنّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَادَ فَاطِمَةَ وَهِيَ مَرِيضَةٌ، فَقَالَ لَهَا: " كَيْفَ تَجِدِينَكِ "؟ قَالَتْ: إِنِّي وَجِعَةٌ، وَإِنَّهُ لَيَزِيدُنِي أَنِّي مَالِي طَعَامٌ آكُلُهُ. قَالَ: " يَا بنية، أما ترضين أن تكوني سيدة نساء الْعَالَمِينَ؟ " قَالَتْ: فَأَيْنَ مَرْيَمُ؟ قَالَ: " تِلْكَ سَيِّدَةُ نِسَاءِ عَالَمِهَا، وَأَنْتِ سَيِّدَةُ نِسَاءِ عَالَمِكِ. أَمَا وَاللَّهِ لَقَدْ زَوَّجْتُكِ سَيِّدًا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ ". هَذَا حَدِيثٌ ضَعِيفٌ، وَأَيْضًا فَقَدْ سَقَطَ بَيْنَ كَثِيرٍ وَعِمْرَانَ رَجُلٌ.
وَقَالَ عِلْبَاءُ بْنُ أَحْمَرَ عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أَفْضَلُ نِسَاءِ أَهْلِ الْجَنَّةِ خَدِيجَةُ بِنْتُ خُوَيْلِدٍ، وَفَاطِمَةُ بِنْتُ مُحَمَّدٍ، وَمَرْيَمُ، وَآسِيَةُ ". رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ.
وَقَالَ أَبُو جَعْفَرٍ الرَّازِيُّ عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسٍ - مِثْلَهُ مَرْفُوعًا، وَلَفْظُهُ: " خَيْرُ نِسَاءِ الْعَالَمِينَ أَرْبَعٌ ".
وَقَالَ مَعْمَرٌ عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسٍ يرفعه: حسبك من نساء العالمين أربع، فذكرهن. وَيُرْوَى نَحْوُهُ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَغَيْرِهِ.
وَقَالَ مَيْسَرَةُ بْنُ حَبِيبٍ عَنِ الْمِنْهَالِ بْنِ عَمْرٍو، عَنْ عَائِشَةَ بِنْتِ طَلْحَةَ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: مَا رَأَيْتُ أَحَدًا كَانَ أَشْبَهَ كَلَامًا وَحَدِيثًا بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ فَاطِمَةَ، وَكَانَتْ إِذَا دَخَلَتْ عَلَيْهِ قَامَ إِلَيْهَا فَقَبَّلَهَا وَرَحَّبَ بِهَا كَمَا كَانَتْ هِيَ تَصْنَعُ بِهِ، وَقَدْ شَبَّهَتْ عَائِشَةُ مِشْيَتَهَا بِمِشْيَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. -[32]-
وَقَدْ كَانَتْ وَجَدَتْ عَلَى أَبِي بَكْرٍ حِينَ طَلَبَتْ سَهْمَهَا مِنْ فَدَكٍ، فَقَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: " مَا تَرَكْنَا صَدَقَةٌ ".
وَقَالَ أَبُو حَمْزَةَ السُّكَّرِيُّ عَنِ ابْنُ أَبِي خَالِدٍ، عَنِ الشَّعْبِيِّ قَالَ: لَمَّا مَرِضَتْ فاطمة رضي الله عنها أَتَاهَا أَبُو بَكْرٍ فَاسْتَأْذَنَ، فَقَالَ عَلِيٌّ: يَا فَاطِمَةُ، هَذَا أَبُو بَكْرٍ يَسْتَأْذِنُ عَلَيْكِ! فَقَالَتْ: أَتُحِبُّ أَنْ آذَنَ لَهُ؟ قَالَ: نَعَمْ، فَأَذِنَتْ لَهُ. فَدَخَلَ عَلَيْهَا يَتَرَضَّاهَا، وَقَالَ: وَاللَّهِ مَا تَرَكْتُ الدَّارَ وَالْمَالَ وَالْأَهْلَ وَالْعَشِيرَةَ إِلَّا ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ، وَمَرْضَاتِكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ! ثُمَّ تَرَضَّاهَا حَتَّى رَضِيَتْ.
وَقَالَ الزُّهْرِيُّ عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ - إِنَّ فَاطِمَةَ عَاشَتْ بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سِتَّةَ أَشْهُرٍ، وَدُفِنَتْ لَيْلًا.
وَقَالَ الْوَاقِدِيُّ: هَذَا أَثْبَتُ الْأَقَاوِيلِ عندنا. قال: وَصَلَّى عَلَيْهَا الْعَبَّاسُ، وَنَزَلَ فِي حُفْرَتِهَا هُوَ وَعَلِيٌّ، وَالْفَضْلُ بْنُ الْعَبَّاسِ.
وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ عُفَيْرٍ: مَاتَتْ لَيْلَةَ الثُّلَاثَاءِ لِثَلَاثٍ خَلَوْنَ مِنْ رَمَضَانَ، وَهِيَ بِنْتُ سَبْعٍ وَعِشْرِينَ سَنَةً أَوْ نَحْوِهَا، وَدُفِنَتْ لَيْلًا.
وَقَالَ يَزِيدَ بْنِ أَبِي زِيَادٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَارِثِ قَالَ: مَكَثَتْ فَاطِمَةُ بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سِتَّةَ أَشْهُرٍ، وَهِيَ تُذَوِّبُ.
وَقَالَ أَبُو جَعْفَرٍ الْبَاقِرِ: مَاتَتْ بَعْدَ أَبِيهَا بِثَلَاثَةِ أشهر.
وروي عن الزهري أنه تُوُفيَّتْ بَعْدَهُ بِثَلَاثَةِ أَشْهُرٍ.
وَرُوِيَ عَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: كَانَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ أَبِيهَا شَهْرَانِ. وَهَذَا غَرِيبٌ.
قُلْتُ: وَالصَّحِيحُ أَنَّ عمرها أَرْبَعٌ وَعِشْرُونَ سَنَةً رَضِيَ اللَّهُ عنها وأرضاها. -[33]-
وَقَدْ رُوِيَ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ أَنَّهَا تُوُفِّيَتْ بِنْتَ ثَمَانٍ وَعِشْرِينَ سَنَةً، كَانَ مَوْلِدُهَا وَقُرَيْشٌ تَبْنِي الْكَعْبَةَ، وَغَسَّلَهَا عَلِيٌّ.
قال قتيبة: حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ مُوسَى عَنْ عَوْنِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، عَنْ أُمِّهِ أُمِّ جَعْفَرٍ. وَعَنْ عُمَارَةَ بْنِ مُهَاجِرٍ، عَنْ أُمِّ جَعْفَرٍ - أَنَّ فَاطِمَةَ قَالَتْ لِأَسْمَاءَ بِنْتِ عُمَيْسٍ: إِنِّي أَسْتَقْبِحُ مَا يُصْنَعُ بِالنِّسَاءِ! يُطْرَحُ على المرأة الثوب فيصفها، فقالت: يا ابنة رَسُولِ اللَّهِ، أَلَا أُرِيَكِ شَيْئًا رَأَيْتُهُ بِالْحَبَشَةِ؟ فَدَعَتْ بُجَرَائِدَ رَطْبَةٍ، فَحَنَّتْهَا، ثُمَّ طَرَحَتْ عَلَيْهَا ثَوْبًا. فَقَالَتْ فَاطِمَةُ: مَا أَحْسَنَ هَذَا وَأَجْمَلَهُ! إذا أنا مت فغسليني أنت وعلي، ولا يدخل أحد علي.
فَلَمَّا تُوُفِّيَتْ جَاءَتْ عَائِشَةُ تَدْخُلُ، فَقَالَتْ أَسْمَاءُ: لَا تَدْخُلِي! فَشَكَتْ إِلَى أَبِي بَكْرٍ، فَجَاءَ، فَوَقَفَ عَلَى الْبَابِ، فَكَلَّمَ أَسْمَاءَ، فَقَالَتْ: هِيَ أَمَرَتْنِي. قَالَ: فَاصْنَعِي مَا أَمَرَتْكِ. ثُمَّ انْصَرَفَ.
قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: فَهِيَ أَوَّلُ مَنْ غَطَّى نَعْشَهَا فِي الْإِسْلَامِ عَلَى تِلْكَ الصِّفَةِ.