-قِتَالُ مُسَيْلِمَةَ الْكَذَّابِ

ابْنُ لَهِيعَةَ عَنْ أَبِي الأسود، عن عروة قال: سار خَالِدٌ إِلَى الْيَمَامَةِ إِلَى مُسَيْلِمَةَ، وَخَرَجَ مُسَيْلِمَةُ بجموعه، فنزلوا بعفرا، فَحَلَّ بِهَا خَالِدٌ عَلَيْهِمْ، وَهِيَ طَرَفُ الْيَمَامَةِ. وَجَعَلُوا الْأَمْوَالَ خَلْفَهَا كُلَّهَا وَرِيفَ الْيَمَامَةِ وَرَاءَ ظهورهم.

وقال شرحبيل بن سلمة: يَا بَنِي حُنَيْفَةَ، الْيَوْمُ يَوْمُ الْغَيْرَةِ، الْيَوْمُ إِنْ هُزِمْتُمْ سَتُرْدَفُ الْنِّسَاءُ سَبِيَّاتٍ وَيُنْكَحْنَ غَيْرَ حظيات، فقاتلوا عن أحسابكم!

فاقتتلوا بعفرا قِتَالًا شَدِيدًا، فَجَالَ الْمُسْلِمُونَ جَوْلَةً، وَدَخَلَ نَاسٌ مِنْ بَنِي حُنَيْفَةَ فُسْطَاطَ خَالِدٍ وَفِيهِ مُجَّاعَةُ أَسِيرٌ، وَأُمُّ تَمِيمٍ امْرَأَةُ خَالِدٍ، فَأَرَادُوا أَنْ يَقْتُلُوهَا، فَقَالَ مُجَّاعَةُ: أَنَا لَهَا جَارٌ، وَدَفَعَ عَنْهَا.

وَقَالَ ثَابِتُ بْنُ قَيْسٍ حِينَ رَأَى الْمُسْلِمِينَ مُدْبِرِينَ: أُفٍّ لَكُمْ وَلِمَا تَعْمَلُونَ، وَكَرَّ الْمُسْلِمُونَ فَهَزَمَ اللَّهُ الْعَدُوَّ، وَدَخَلَ نَفَرٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ فُسْطَاطَ خَالِدٍ، فَأَرَادُوا قَتْلَ مُجَّاعَةَ، فَقَالَتْ أُمُّ تَمِيمٍ: وَاللَّهِ لَا يُقْتَلُ! وَأَجَارَتْهُ.

وَانْهَزَمَ أَعْدَاءُ اللَّهِ حَتَّى إِذَا كَانُوا عِنْدَ حَدِيقَةِ الْمَوْتِ اقْتَتَلُوا عِنْدَهَا أَشَدَّ الْقِتَالِ. وَقَالَ مُحَكَّمُ بْنُ الطُّفَيْلِ: يَا بَنِي حُنَيْفَةَ، ادْخُلُوا الْحَدِيقَةَ فَإِنِّي سَأَمْنَعُ أَدْبَارَكُمْ، فَقَاتَلَ دُونَهُمْ سَاعَةً، وَقُتِلَ.

وَقَالَ مُسَيْلِمَةُ: يَا قَوْمُ، قَاتِلُوا عَنْ أَحْسَابِكُمْ! فَاقْتَتَلُوا قِتَالًا شَدِيدًا، وقَتَلَ مُسَيْلِمَةَ وحشيُّ مَوْلَى بَنِي نَوْفَلٍ.

وَقَالَ الْمُوَقِّرِيُّ عَنِ الزُّهْرِيِّ: قَاتَلَ خَالِدٌ مُسَيْلِمَةَ وَمَنْ مَعَهُ مِنْ بَنِي حُنَيْفَةَ، وَهُمْ يَوْمَئِذٍ أَكْثَرُ الْعَرَبِ عَدَدًا وَأَشَدُّهُ شَوْكَةً، فَاسْتُشْهِدَ خَلْقٌ كَثِيرٌ، وَهَزَمَ اللَّهُ بَنِي حُنَيْفَةَ، وَقُتِلَ مُسَيْلِمَةُ، قَتَلَهُ وَحْشِيٌّ بَحَرْبَةٍ.

وَكَانَ يُقَالُ: قَتَلَ وَحْشِيٌّ خَيْرَ أَهْلِ الْأَرْضِ بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وشَرَّ أَهْلِ الْأَرْضِ.

وَعَنْ وَحْشِيٌّ قَالَ: لَمْ أَرَ قَطُّ أَصْبَرَ عَلَى الْمَوْتِ مِنْ أَصْحَابِ مُسَيْلِمَةَ، ثُمَّ ذَكَرَ أَنَّهُ شَارَكَ فِي قَتْلِ مُسَيْلِمَةَ.

وَقَالَ ابْنُ عَوْنٍ عَنْ مُوسَى بْنِ أَنَسٍ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: لَمَّا كَانَ يَوْمُ الْيَمَامَةِ دَخَلَ ثَابِتُ بْنُ قَيْسٍ، فَتَحَنَّطَ، ثُمَّ قَامَ، فَأَتَى الصَّفَّ وَالنَّاسُ مُنْهَزِمُونَ، فَقَالَ: هَكَذَا عَنْ وُجُوهِنَا. فَضَارَبَ الْقَوْمَ، ثُمَّ قَالَ: بِئْسَمَا عَوَّدْتُمْ أَقْرَانَكُمْ، مَا -[28]- هَكَذَا كُنَّا نُقَاتِلُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ! فَاسْتُشْهِدَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ.

وَقَالَ الْمُوَقِّرِيُّ عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: ثُمَّ تَحَصَّنَ مِنْ بَنِي حُنَيْفَةَ مِنْ أَهْلِ الْيَمَامَةِ سَتَّةُ آلَافِ مُقَاتِلٍ فِي حِصْنِهِمْ، فَنَزَلُوا عَلَى حُكْمِ خَالِدٍ فَاسْتَحْيَاهُمْ.

وَقَالَ ابْنُ لَهِيعَةَ عَنْ أَبِي الْأَسْوَدِ، عَنْ عُرْوَةَ قَالَ: وَعَمَدَتْ بَنُو حُنَيْفَةَ حِينَ انْهَزَمُوا إِلَى الْحُصُونِ فَدَخَلُوهَا، فَأَرَادَ خَالِدٌ أَنْ يُنْهِدَ إِلَيْهِمُ الْكَتَائِبَ، فَلَمْ يَزَلْ مُجَّاعَةُ حَتَّى صَالَحَهُ عَلَى الصَّفْرَاءِ وَالْبَيْضَاءِ وَالْحَلْقَةِ وَالْكُرَاعِ، وَعَلَى نِصْفِ الرَّقِيقِ وَعَلَى حَائِطٍ مِنْ كُلِّ قَرْيَةٍ، فَتَقَاضَوْا عَلَى ذَلِكَ.

وَقَالَ سَلَامَةُ بْنُ عُمَيْرٍ الْحَنَفِيُّ: يَا بَنِي حُنَيْفَةَ، قَاتِلُوا وَلَا تُقَاضُوا خَالِدًا عَلَى شَيْءٍ، فَإِنَّ الْحِصْنَ حَصِينٌ، والطعام كثير، وقد حضر الشتاء! فَقَالَ مُجَّاعَةُ: لَا تُطِيعُوهُ؛ فَإِنَّهُ مَشْؤُومٌ.

فَأَطَاعُوا مجاعة، وقاضاهم. ثُمَّ إِنَّ خَالِدًا دَعَاهُمْ إِلَى الْإِسْلَامِ وَالْبَرَاءَةِ مِمَّا كَانُوا عَلَيْهِ، فَأَسْلَمَ سَائِرُهُمْ.

وَقَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: إِنَّ خَالِدًا قَالَ: يَا بَنِي حُنَيْفَةَ، مَا تَقُولُونَ؟ قَالُوا: مِنَّا نَبِيٌّ وَمِنْكُمْ نَبِيٌّ. فَعَرَضَهُمْ عَلَى السَّيْفِ، يَعْنِي الْعِشْرِينَ الَّذِينَ كَانُوا مَعَ مُجَّاعَةَ بْنِ مُرَارَةَ، وَأَوْثَقَهُ هُوَ فِي الْحَدِيدِ. ثُمَّ الْتَقَى الْجَمْعَانِ، فَقَالَ زَيْدُ بْنُ الْخَطَّابِ حِينَ كَشَفَ النَّاسُ: لَا نَجَوْتُ بَعْدَ الرحال، ثُمَّ قَاتَلَ حَتَّى قُتِلَ.

وَقَالَ ابْنُ سِيرِينَ: كَانُوا يَرَوْنَ أَنَّ أَبَا مَرْيَمَ الْحَنَفِيَّ قَتَلَ زيدا.

وقال ابْنُ إِسْحَاقَ: رَمَى عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أبي بكر محكم اليمامة ابن طُفَيْلٍ بِسَهْمٍ فَقَتَلَهُ.

قُلْتُ: وَاخْتَلَفُوا فِي وَقْعَةِ الْيَمَامَةِ مَتَى كَانَتْ؟ فَقَالَ خَلِيفَةُ بْنُ خَيَّاطٍ، وَمُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ: كَانَتْ فِي سَنَةِ إحدى عشرة. -[29]-

قَالَ عَبْد الباقي بن قانع: كانت في آخر سنة إحدى عشرة.

وَقَالَ أَبُو مَعْشَرٍ: كَانَتِ الْيَمَامَةُ فِي رَبِيعِ الْأَوَّلِ سَنَةَ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ. فَجَمِيعُ مَنْ قُتِلَ يَوْمَئِذٍ أَرْبَعُمِائَةٌ وَخَمْسُونَ رَجُلًا.

وَقَالَ الْوَاقِدِيُّ: كَانَتْ سَنَةُ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ. وَكَذَلِكَ قَالَ أَبُو نُعَيْمٍ، وَمَعْنُ بْنُ عِيسَى، وَمُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ كَاتِبُ الْوَاقِدِيِّ وَغَيْرُهُمْ.

قُلْتُ: وَلَعَلَّ مَبْدَأَ وَقْعَةِ الْيَمَامَةِ كَانَ فِي آخِرِ سَنَةِ إِحْدَى عَشْرَةَ كَمَا قَالَ ابْنُ قَانِعٍ، وَمُنْتَهَاهَا فِي أَوَائِلِ سَنَةِ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ، فَإِنَّهَا بَقِيَتْ أَيَّامًا لِمَكَانِ الْحِصَارِ. وَسَأُعِيدُ ذِكْرَهَا وَالشُّهَدَاءِ بِهَا فِي أَوَّلِ سَنَةِ اثنتي عشرة.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015