-ومن سنة عشر ومائتين

فيها توفي أبو عمرو الشيباني صاحب العربية، والحسن بن محمد بن أعين الحراني، وعبد الصمد بن حسان المروزي، ومحمد بن صالح بن بيهس أمير العرب، ومروان بن محمد الطاطري، وأبو عبيدة اللغوي، ويحيى بن إسحاق السيلحيني.

وفي صفر أدخل بغداد نصر بن شبث، فأنزله المأمون بمدينة أَبِي جعفر وعليه الحَرَس.

وفيها ظهر المأمون عَلَى إبراهيم بْن عَائِشَةَ، وهو إبراهيم بْن محمد بْن عَبْد الوهّاب بْن إبراهيم الإِمَام، ومحمد بْن إبراهيم الإفريقيّ، وملك بْن شاهي، وفرج البغواريّ، ومن كَانَ معهم ممّن كَانَ يسعى في البيعة لإبراهيم ابن المهدي ثانيا. فأطلعه عليهم عمران القطربلي، فأرسل إليهم المأمون في صَفَر، وأمر بابن عَائِشَةَ أنّ يُقام ثلاثة أيّام في الشمس عَلَى باب المأمون، ثمّ ضربه بالسِّياط وحبسه في المطبق. وضرب الباقين.

وفي ربيع الآخر أخذ إبراهيم ابن المَهديّ وهو منتقب بين امرأتين. أخذه حارس بالليل، وقال: من أنتنَّ وأين تُرِدْنَ؟ فاعطاه إبراهيم فيما قِيلَ خاتم ياقوت له قيمة ليخليهم. فلما رأى الياقوت استراب وقال: هذا خاتم من لَهُ شأن، فرفعهنّ إلى صاحب الجسر، فبدت لحية إِبْرَاهِيم فعرفه، فذهب بِهِ إلى المأمون. فلمّا كَانَ في الغد، وحضر الأمراء أقعده والمقنعة في رقبته والملحفة -[20]- عَلَى جسده يوهنه بذلك. ثمّ إنّ الحَسَن بْن سهل كلّمه فيه، فرضي عَنْهُ.

وقيل: إن المأمون استشار الملأ في قتل إبراهيم، فقال بعضهم: اقطَعْ أطرافه، وقال بعضهم: اصلبه. فقال أحمد بْن أَبِي خَالِد: إنّ قتلته وجدت مثلك قتل مثله كثيرا، وإن عفوت عنه لم تجد مثلك عفا عن مثله. فأيما أحب إليك؟ وكان اختفاؤه ثمان سنين، فصيَّره عند أحمد بْن أَبِي خَالِد في سَعَة، وعنده أُمُّه وعياله. وكان يركب إلى المأمون ومعه قائدان يحفظانه.

وأمّا إبراهيم بْن عَائِشَةَ ومن معه في الحبس فإنهم همّوا بنقْب السجن، وسدّوا بابه من عندهم. فركب المأمون بنفسه، فدعا بإبراهيم وبثلاثة، فقتلهم صبرا وصلبوا على الجسر.

وفيها في رمضان سار الخليفة المأمون إلى واسط، ودخل بُبوران بنت الحَسَن بْن سهل. وأقام عنده سبعة عشر يومًا. وخلع الحَسَن عَلَى القُوّاد عَلَى مراتبهم. وتكلّف هذه الأيام بكل ما ينوب جيش المأمون، فكان مبلغ النفقة عليهم خمسين ألف ألف درهم. فوصله المأمون بعشرة آلاف ألف درهم، وأعطاه مدينة فم الصلح.

فذكر أحمد بْن الحَسَن بْن سهل قَالَ: كَانَ أهلنا يتحدّثون أنّ الحَسَن كُتُب رقاعًا فيها أسماء ضِياع لَهُ ونثرها عَلَى القُوّاد والعبّاسيّين، فمن وقعت في يده رقعة باسم ضَيْعة تسلَّمهًا. ونثر صينية مَلأَى جواهر بين يدي المأمون عندما زفت إليه.

وفيها كُتُب المأمون إلى عَبْد اللَّه بْن طاهر بْن الحُسين أنّ يسير إلى مصر. فلما قرب منها، كان بها ابن السري، فخندق عليها وتهيّا للحرب. ثمّ التقوا فانهزم ابن السَّرِيّ، وتساقط عامة جُنْده في خندقه. ودخل هُوَ الفُسْطاط وتحصَّن. ثمّ خرج إلى ابن طاهر بالأمان، وبذل له أموالا.

ثمّ فتح عَبْد اللَّه بْن طاهر الإسكندرية، وكان قد تغلب عليهم طائفة أتوا من الأندلس في المراكب، وعليهم رجل يكنى أبا حفص. وأنهم نزحوا عَنْهَا خوفًا من ابن طاهر، ونزلوا جزيرة أَقْرِيطش فسكنوها، وبها بقايا من أولادهم.

وفيها امتنع أهل قُمّ، فوجّه المأمون إليهم عليّ بْن هشام فحاربهم وظفر بهم، وهدم سورها، واستخرج منهم سبعة ألف ألف درهم.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015