فَلَمَّا رَأَى سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ كَثْرَةَ اسْتِشَارَتِهِ ظَنَّ سَعْدٌ أَنَّهُ يَسْتَنْطِقُ الْأَنْصَارَ شَفَقًا أَنْ لَا يَسْتَحْوِذُوا معه، أَوْ قَالَ: أَنْ لَا يَسْتَجْلِبُوا مَعَهُ عَلَى مَا يُرِيدُ، فَقَالَ: لَعَلَّكَ يا رسول الله تخشى أن لا تكون الْأَنْصَارُ يُرِيدُونَ مُوَاسَاتَكَ. وَلَا يَرَوْنَهَا حَقًّا عَلَيْهِمْ، إِلَّا بِأَنْ يَرَوْا عَدُوًّا فِي بُيُوتِهِمْ وَأَوْلادِهِمْ وَنِسَائِهِمْ. وَإِنِّي أَقُولُ عَنِ الْأَنْصَارِ وَأُجِيبُ عَنْهُمْ: فَاظْعِنْ حَيْثُ شِئْتَ، وَصِلْ حبل من شئت، وخذ من أموالنا مَا شئت، وأعطنا مَا شئت، وما أخذته منا أَحَبُّ إِلَيْنَا مِمَّا تَرَكْتَهُ عَلَيْنَا. فَوَاللَّهِ لَوْ سِرْتَ حَتَّى تَبْلُغَ الْبَرْكَ مِنْ غِمْدِ ذِي يَمَنٍ لَسِرْنَا مَعَكَ.
فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: سِيرُوا عَلَى اسْمِ اللَّهِ - عَزَّ وَجَلَّ - فَإِنِّي قَدْ أُرِيتُ مَصَارِعَ الْقَوْمِ. فَعَمْدٌ لِبَدْرٍ.
وَخَفَضَ أَبُو سُفْيَانَ فَلَصَقَ بِسَاحِلِ الْبَحْرِ، وَأَحْرَزَ مَا مَعَهُ، فَأَرْسَلَ إِلَى قُرَيْشٍ، فَأَتَاهُمُ الْخَبَرُ بِالْجُحْفَةِ. فَقَالَ أَبُو جَهْلٍ: وَاللَّهِ لَا نَرْجِعُ حَتَّى نَقْدَمَ بَدْرًا فَنُقِيمَ بِهَا. فَكَرِهَ ذَلِكَ الْأَخْنَسُ بْنُ شَرِيقٍ وَأَشَارَ بِالرَّجْعَةِ، فَأَبَوْا وَعَصَوْهُ. فَرَجَعَ بِبَنِي زُهْرَةَ فَلَمْ يَحْضُرْ أَحَدٌ مُنْهُمْ بَدْرًا. وَأَرَادَتْ بَنُو هَاشِمٍ الرُّجُوعَ فَمَنَعَهُمْ أَبُو جَهْلٍ.
ونزل رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى أَدْنَى شَيْءٍ مِنْ بَدْرٍ. ثُمَّ بَعَثَ عَلِيًّا وَالزُّبَيْرَ وَجَمَاعَةً يَكْشِفُونَ الْخَبَرَ. فَوَجَدُوا وَارِدَ قُرَيْشٍ عِنْدَ الْقَلِيبِ، فَوَجَدُوا غُلامَيْنِ فَأَخَذُوهُمَا فَسَأَلُوهُمَا عَنِ الْعِيرِ، فَطَفِقَا يُحَدِّثَانِهِمْ عَنْ قُرَيْشٍ، فَضَرَبُوهُمَا. وَذَكَرَ الْحَدِيثَ، إِلَى أَنْ قَالَ: فَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: أَشِيرُوا عَلَيَّ فِي الْمَنْزِلِ.
فَقَامَ الْحُبَابُ بْنُ الْمُنْذِرِ السَّلْمِيُّ: أَنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ عَالِمٌ بِهَا وبقلبها؛ إن رأيت أن تسير إِلَى قَلِيبٍ مِنْهَا قَدْ عَرَفْتُهَا كَثِيرَةَ الْمَاءِ عذبة، فتنزل عليها وتسبق الْقَوْمَ إِلَيْهَا وَنُغَوِّرُ مَا سِوَاهَا.
فَقَالَ: سِيرُوا. فَإِنَّ اللَّهَ قَدْ وَعَدَكُمْ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ.
فَوَقَعَ فِي قُلُوبِ نَاسٍ كَثِيرُ الْخَوْفِ. فَتَسَارَعَ الْمُسْلِمُونَ والمشركون إلى