9 - إِبْرَاهِيمُ بْنُ مَاهَانَ بْنِ بَهْمَنَ، أَبُو إِسْحَاقَ الْمَوْصِلِيُّ [الوفاة: 181 - 190 ه]
كَبِيرُ أَهْلِ الْغِنَاءِ، فَارِسِيٌّ مِنْ أَهْلِ أَرَّجَانَ، وَلاؤُهُ لِلْحَنْظَلِيِّينَ، لقب بالموصلي لغيبته وقتا بالموصل، ثم قدم.
صحب بالكوفة فتيانا فِي طَلَبِ الْغِنَاءِ، فَاشْتَدَّ عَلَيْهِ أَخْوَالُهُ، فَفَرَّ إلى الموصل مديدة، وكان خرج مَاهَانَ بِزَوْجَتِهِ مِنْ أَرَّجَانَ وَهَذَا حَمَلٌ، فَوَلَدَتْهُ بِالْكُوفَةِ فِي سَنَةِ خَمْسٍ وَعِشْرِينَ وَمِائَةٍ، فَبَرَعَ في الشعر والأدب، وتتبع عربي الغناء وعجميه، وَسَافَرَ فِيهِ إِلَى الْبِلادِ، ثُمَّ اتَّصَلَ بِالْخُلَفَاءِ وَالْمُلُوكِ بِبَغْدَادَ.
قَالَ الزُّبَيْرُ بْنُ بَكَّارٍ: حَدَّثَنِي إِسْحَاقُ الْمَوْصِلِيُّ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: جَاءَنِي غُلامِي، فقال: بالباب حائك يطلبك، قلت: ويلك، ما لي وَلَهُ؟ قَالَ: قَدْ حَلَفَ بِالطَّلاقِ لا يَنْصَرِفُ حَتَّى يُكَلِّمَكَ بِحَاجَتِهِ، قُلْتُ: ائْذَنْ لَهُ، فَدَخَلَ، قُلْتُ: مَا بِكَ؟ قَالَ: جَعَلَنِي اللَّهُ فِدَاكَ، أَنَا رَجُلٌ حَائِكٌ، وَكَانَ عِنْدِي جَمَاعَةٌ فَتَذَاكَرْنَا -[803]- الغناء، فأجمع مَنْ حَضَرَ أَنَّكَ رَأْسُ الْقَوْمِ وَسَيِّدُهُمْ وَبُنْدَارُهُمْ، فَحَلَفْتُ بِطَلاقِ بِنْتِ عَمِّي ثِقَةً بِكَرَمِكَ أَنْ تشرب عندي غدا، وتغنيني، فمن علي بذاك، فَقَالَ: أَيْنَ مَنْزِلُكَ، وَصِفْ لِلْغُلامِ الْمَوْضِعَ وَانْصَرِفْ فَإِنِّي رَائِحٌ إِلَيْكَ، قَالَ: فَصَلَّيْتُ الظُّهْرَ، وَأَمَرْتُ غُلامِي أَنْ يَحْمِلَ مَعَهُ قِنِّينَةً وَقَدَحًا وَخَرِيطَةَ الْعُودِ، وَأَتَيْتُهُ، وَدَخَلْتُ، فَقَامَ إِلَيَّ الْحَاكَةُ، فَأَكَبُّوا، وَقَبَّلُوا أَطْرَافِي، وَعَرَضُوا عَلَيَّ الطَّعَامَ، فَقُلْتُ: شَبْعَانُ، وشربت من نبيذي، ثم تناولت العود، فقلت: اقْتَرِحْ، فَقَالَ: غَنِّنِي:
يَقُولُونَ لِي لَوْ كَانَ بالرمل لم تمت ... نشيبة والطراق تكذب قيلها
فَغَنَّيْتُ، فَقَالَ: أَحْسَنْتَ، وَاللَّهِ، ثُمَّ قُلْتُ: اقْتَرِحْ، ثُمَّ غَنَّيْتُ لَهُ. ثُمَّ قُلْتُ: يَا ابْنَ اللَّخْنَاءِ، أَنْتَ بِابْنِ سُرَيْجٍ أَشْبَهُ مِنْكَ بِالْحَاكَةِ، فَغَنَّيْتُهُ ثُمَّ قُلْتُ: إِنَّكَ إِنْ عُدْتَ وَاللَّهِ ثَانِيَةً حَلَّتِ امْرَأَتُكَ لِغُلامِي قَبْلَ أَنْ تَحِلَّ لَكَ، ثُمَّ انْصَرَفْتُ، وَجَاءَ رَسُولُ الرَّشِيدِ يَطْلُبُنِي، فَدَخَلْتُ عَلَيْهِ، فَقَالَ: أَيْنَ كُنْتَ يَا إِبْرَاهِيمُ؟ قُلْتُ: وَلِيَ الأَمَانُ؟ قَالَ: نَعَمْ، فَأَخْبَرْتُهُ، فَضَحِكَ، فقال: هَذَا أَنْبَلُ الْحُيَّاكِ، وَاللَّهِ لَقَدْ كَرُمْتَ فِي أَمْرِهِ، وَأَحْسَنْتَ، وَبَعَثَ إِلَى الْحَائِكِ فَاسْتَنْطَقَهُ، وَسَاءَلَهُ فأجاب، فاستظرفه وَاسْتَطَابَهُ، وَأَمَرَ لَهُ بِثَلاثِينَ أَلْفَ دِرْهَمٍ.
وَرَوَى الصُّولِيُّ بِإِسْنَادٍ لَهُ أَنَّ الرَّشِيدَ حَبَسَ إِبْرَاهِيمَ الْمَوْصِلِيَّ لِشَيْءٍ جَرَى بَيْنَهُ وَبَيْنَ ابْنِ جَامِعٍ فِي مَجْلِسِهِ، فَتَابَ إِبْرَاهِيمُ مِنَ الْغِنَاءِ، فَأَمَرَ بِحَبْسِهِ حَتَّى يُغَنِّيَ، فَكَتَبَ أَبُو الْعَتَاهِيَةِ إِلَى سَلْمٍ الْخَاسِرِ:
سَلْمُ يَا سَلْمُ لَيْسَ دُونَكَ سِرُّ ... حُبِسَ الْمَوْصِلِيُّ فَالْعَيْشُ مُرُّ
مَا اسْتَطَابَ اللذات قد سكن المـ ... ـطبق رَأْسُ اللَّذَّاتِ فِي الأَرْضِ حُرُّ
حُبِسَ اللَّهْوُ والسرور فما في الأ ... رض شَيْءٌ يُلْهَى بِهِ وَيُسَرُّ
قَالَ عُمْرُ بْنُ شَبَّةَ: مَاتَ إِبْرَاهِيمُ الْمَوْصِلِيُّ فِي سَنَةِ ثَمَانٍ وَثَمَانِينَ وَمِائَةٍ.
وَقَالَ أَحْمَدُ بْنُ كَامِلٍ: قِيلَ: مَاتَ سَنَةَ ثَلاثَ عَشْرَةَ وَمِائَتَيْنِ.