كَانَ كَمَا رَأَيْتَ، أَوْ كَمَا بَلَغَكَ، فَاسْتَغْفِرْ لَهُ؟ قَالَ: " نَعَمْ، فَاسْتَغْفِرُوا لَهُ، فَإِنَّهُ يُبْعَثُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أُمَّةً وَحْدَهُ ".
وَقَالَ يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ: كَانَتْ قُرَيْشٌ حِينَ بَنَوُا الْكَعْبَةَ يَتَوَافَدُونَ عَلَى كِسْوَتِهَا كُلَّ عَامٍ تَعْظِيمًا لِحَقِّهَا، وَكَانُوا يَطُوفُونَ بِهَا، وَيَسْتَغْفِرُونَ اللَّهَ عِنْدَهَا، وَيَذْكُرُونَهُ مَعَ تَعْظِيمِ الأَوْثَانِ وَالشِّرْكِ فِي ذَبَائِحِهِمْ وَدِينِهِمْ كُلِّهِ.
وَقَدْ كَانَ نَفَرٌ مِنْ قُرَيْشٍ: زَيْدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ نُفَيْلٍ، وَوَرَقَةُ بْنُ نَوْفَلٍ، وَعُثْمَانُ بْنُ الْحُوَيْرِثِ بْنِ أَسَدٍ، وَهُوَ ابْنُ عَمِّ وَرَقَةَ، وَعُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ جَحْشِ بْنِ رِئَابٍ، وَأُمُّهُ أُمَيْمَةُ بِنْتُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ بْنِ هَاشِمٍ حَضَرُوا قُرَيْشًا عِنْدَ وَثَنٍ لَهُمْ كَانُوا يَذْبَحُونَ عِنْدَهُ لِعِيدٍ مِنْ أَعْيَادِهِمْ، فَلَمَّا اجْتَمَعُوا خَلَا بَعْضُ أُولَئِكَ النَّفَرِ إِلَى بَعْضٍ وَقَالُوا: تَصَادَقُوا وَلْيَكْتُمْ بَعْضُكُمْ عَلَى بَعْضٍ، فَقَالَ قَائِلُهُمْ: تَعْلَمُنَّ وَاللَّهِ ما قومكم على شيء، لقد أخطأوا دِينَ إِبْرَاهِيمَ وَخَالَفُوهُ، وَمَا وَثَنٌ يُعْبَدُ لَا يَضُرُّ وَلَا يَنْفَعُ، فَابْتَغُوا لأَنْفُسِكُمْ، فَخَرَجُوا يَطْلُبُونَ وَيَسِيرُونَ فِي الأَرْضِ يَلْتَمِسُونَ أَهْلَ الْكِتَابِ مِنَ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى وَالْمِلَلِ كُلِّهَا، يَتَّبِعُونَ الْحَنِيفِيَّةَ دِينَ إِبْرَاهِيمَ، فَأَمَّا وَرَقَةُ فَتَنَصَّرَ، وَلَمْ يَكُنْ مِنْهُمْ أعدل شأنا من زيد بن عَمْرٍو، اعْتَزَلَ الْأَوْثَانَ وَفَارَقَ الأَدْيَانَ إِلَّا دِينَ إِبْرَاهِيمَ.
وَقَالَ الْبَاغَنْدِيُّ: حَدَّثَنَا أَبُو سَعِيدٍ الأَشَجُّ، قال: حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ عَنْ هِشَامٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " دَخَلْتُ الْجَنَّةَ فَرَأَيْتُ لِزَيْدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ نُفَيْلٍ دَوْحَتَيْنِ ".
وَقَالَ الْبَكَّائِيُّ، عن ابن إِسْحَاقَ: حَدَّثَنِي هِشَامٌ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ قَالَتْ: لَقَدْ رَأَيْتُ زَيْدَ بْنَ عَمْرِو بْنِ نُفَيْلٍ شَيْخًا كَبِيرًا مُسْنِدًا ظَهْرَهُ إِلَى الْكَعْبَةِ، وَهُوَ يَقُولُ: يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ! مَا أَصْبَحَ مِنْكُمْ أَحَدٌ عَلَى دِينِ إِبْرَاهِيمَ غَيْرِي، ثُمَّ يَقُولُ: اللَّهُمَّ لَوْ أَعْلَمُ أَيَّ الْوُجُوهِ أَحَبُّ إِلَيْكَ عَبَدْتُكَ بِهِ، ثُمَّ يَسْجُدُ عَلَى رَاحِلَتِهِ.