36 - بشار بن برد البصري، أبو معاذ الأعمى، [المرعث]

36 - بشار بن برد البَصْريُّ، أبو معاذ الأعمى، [الْمُرَعَّثُ] [الوفاة: 161 - 170 ه]

الشاعر البليغ المقدم على شعراء المحدثين، فإنه قَالَ ثَلاثَةَ عَشَرَ أَلْفَ بَيْتٍ مِنَ الشِّعْرِ الْجَيِّدِ، وَقَدِمَ بَغْدَادَ، وَأَقَامَ بِهَا وَمَدَحَ الْكِبَارَ، وَهُوَ مِنْ مَوَالِي بَنِي عُقَيْلٍ، وَيُلَقَّبُ بِالْمُرَعَّثِ؛ لِأَنَّهُ كَانَ يَلْبَسُ فِي أُذُنِهِ، وَهُوَ صَغِيرٌ رَعَاثًا، وَالرَّعَاثُ: الْحَلَقُ، وَاحِدُهَا رَعْثَةٌ، وَقِيلَ فِي مَعْنَى لَقَبِهِ غَيْرُ ذَلِكَ.

وَقَدْ وُلِدَ أَعْمَى، وَقَالَ الشِّعْرَ وَلَمْ يَبْلُغْ عَشْرَ سِنِينَ.

وَعَنْ أَبِي تَمَّامٍ الطَّائِيِّ قَالَ: أَشْعَرُ النَّاسِ بَعْدَ الطَّبَقَةِ الأُولَى: بَشَّارٌ، وَالسَّيِّدُ الْحِمْيَرِيُّ، وَأَبُو نُوَاسٍ، وَبَعْدَهُمْ مُسْلِمُ بْنُ الْوَلِيدِ.

وَلِبَشَّارٍ:

يَا طَلَلَ الْحَيِّ بِذَاتِ الصَّمْدِ ... بِاللَّهِ خبر كيف كنت بعدي

منها:

بَدَتْ بِخَدٍّ وَجَلَتْ عَنْ خَدِّ

ثُمَّ انْثَنَتْ بِالنَّفَسِ الْمُرْتَدِّ ... وَصَاحِبٍ كَالدُّمَّلِ الْمُمِدِّ

حَمَلْتُهُ فِي رُقْعَةٍ مِنْ جِلْدِي

حَتَّى اغْتَدَى غَيْرَ فَقِيدِ الْفَقْدِ ... وَمَا دَرَى مَا رَغْبَتِي مِنْ زُهْدِي

الْحُرُّ يُلْحَى وَالْعَصَا لِلْعَبْدِ ... وَلَيْسَ لِلْمُلْحِفِ مِثْلُ الرَّدِّ

اسْلَمْ وُحُيِّيتَ أَبَا الْمِلَدِّ ... مِفْتَاحَ بَابِ الْحَدَثِ الْمُنْسَدِّ

لِلَّهِ أَيَّامُكَ فِي مَعَدِّ ... وَفِي بَنِي قَحْطَانَ غَيْرَ عَدِّ

وَهِيَ طَوِيلَةٌ.

وَمِنْ شِعْرِهِ:

إِذَا كُنْتَ فِي كُلِّ الأُمُورِ مُعَاتِبًا ... صديقك لَمْ تَلْقَ الَّذِي لا تُعَاتِبُهْ -[315]-

فَعِشْ وَاحِدًا أَوْ صِلْ أَخَاكَ فَإِنَّهُ ... مُقَارِفُ ذَنْبٍ مَرَّةً وَمُجَانِبُهْ

إِذَا أنْتَ لَمْ تَشْرَبْ مِرَارًا عَلَى الْقَذَى ... ظَمِئْتَ وَأَيُّ النَّاسِ تَصْفُو مَشَارِبُهْ

وَقَدْ سَأَلَ أَبُو حَاتِمٍ السَّجِسْتَانِيُّ أَبَا عُبَيْدَةَ: أَمَرْوَانُ بْنُ أَبِي حَفْصَةَ أشْعَرُ، أَمْ بَشَّارُ بْنُ بُرْدٍ؟ فَقَالَ: حَكَمَ بَشَّارٌ لِنَفْسِهِ بِالاسْتِظْهَارِ؛ لِأَنَّهُ قَالَ ثَلاثَةَ عَشَرَ أَلْفَ بَيْتٍ جيد، ولا يكون لشاعر هذا العدد لا في الجاهلية، وَلا الإِسْلامِ، ومروان أمدح للملوك.

ولبشار:

خليلي ما بال الدجى لا يُزحْزَحُ ... وَمَا بَالُ ضَوْءِ الصُّبْحِ لا يتوضح

أضل النهار الْمُسْتَنِيرُ طَرِيقَهُ ... أَمِ الدَّهْرُ لَيْلٌ كُلُّهُ لَيْسَ يَبْرَحُ

وَقَدْ سَاقَ صَاحِبُ " الأَغَانِي " لِبَشَّارٍ سِتَّةً وَعِشْرِينَ جَدًّا كُلُّهُمْ أَعَاجِمُ، وَأَسْمَاؤُهُمْ فَارِسِيَّةٌ.

وَقِيلَ: أصله من طخارستان من سبي الملهب بْنِ أَبِي صُفْرَةَ، فَوُلِدَ بَشَّارٌ عَلَى الرِّقِّ فَأَعْتَقَتْهُ امْرَأَةٌ مِنْ بَنِي عُقَيْلٍ.

وَكَانَ جَاحِظَ الحدقتين، قد تغشاهما لَحْمٌ أَحْمَرُ، وَكَانَ عَظِيمَ الْخِلْقَةِ.

وَيُقَالُ: أَنَّهُ مَدَحَ الْمَهْدِيَّ فَاتَّهَمَهُ بِالزَّنْدَقَةِ، وَمَا هُوَ مِنْهَا بِبَعِيدٍ، فَأَمَرَ بِهِ فَضُرِبَ سَبْعِينَ سَوْطًا، فَمَاتَ منها.

ويقال عنه: إنه كان يفضل النار، ويصوب إبليس في امتناعه من السجود، ويقول:

الأَرْضُ مُظْلِمَةٌ وَالنَّارُ مُشْرِقَةٌ ... وَالنَّارُ مَعْبُودَةٌ مُذْ كَانَتِ النَّارُ

وَهُوَ الْقَائِلُ:

هَلْ تَعْلَمِينَ وَرَاءَ الْحُبِّ مَنْزِلَةً ... تُدْنِي إِلَيْكِ فَإِنَّ الْحُبَّ أَقْصَانِي

وله:

أنا والله لأشتهي سِحْرَ عَيْنَيْكِ ... وَأَخْشَى مَصَارِعَ الْعُشَّاقِ

وَلَهُ: -[316]-

يَا قَوْمُ أُذُنِي لِبَعْضِ الْحَيِّ عَاشِقَةٌ ... وَالأُذْنُ تَعْشَقُ قَبْلَ الْعَيْنِ أَحْيَانًا

وَلِأَبِي هِشَامٍ الْبَاهِلِيِّ، وَكَتَبَهَا عَلَى قَبْرِ حَمَّادٍ عَجْرَدٍ، وَبَشَّارٍ:

قَدْ تبع الأعمى قفا عجرد ... فأصبحا جارين في دار

صارا جَمِيعًا فِي يَدَيْ مَالِكٍ ... فِي النَّارِ وَالْكَافِرُ في النار

قيل: إن بشار قُتِلَ فِي سَنَةِ سَبْعٍ وَسِتِّينَ وَمِائَةٍ، وَهُوَ ابْنُ نَيِّفٍ وَتِسْعِينَ سَنَةً.

وَأَخْبَارُهُ تَامَّةٌ فِي " كِتَابِ الأَغَانِي ".

طور بواسطة نورين ميديا © 2015