فذكروا أَنَّ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تبسّم إلى أَبِي بَكْر حين رَأَى النساء يلطمن الخيل بالخمر، أي ينفضن الغُبار عَنِ الخيل.
وَقَالَ اللَّيْثُ: حَدَّثَنِي خَالِدُ بْنُ يَزِيدَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي هِلَالٍ، عَنْ عُمَارَةَ بْنِ غَزِيَّةَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ عَائِشَةَ - أَنّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " اهجوا قُرَيْشًا؛ فَإِنَّهُ أَشَدُّ عَلَيْهَا مِنْ رَشْقِ النَّبْلِ ".
وَأَرْسَلَ إِلَى ابْنِ رَوَاحَةَ فَقَالَ: " اهْجُهُمْ! " فَهَجَاهُمْ فَلَمْ يُرْضِ. فَأَرْسَلَ إِلَى كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ، ثُمَّ أُرْسِلَ إِلَى حَسَّانَ بْنِ ثَابِتٍ. فَلَمَّا دَخَلَ قَالَ: قَدْ آنَ لَكُمْ أَنْ تُرْسِلُوا إِلَى هَذَا الْأَسَدِ الضَّارِبِ بِذَنَبِهِ.
ثُمَّ أَدْلَعَ لِسَانَهُ فَجَعَلَ يُحَرِّكُهُ، فَقَالَ: وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ، لَأَفْرِيَنَّهُمْ فَرْيَ الْأَدِيمِ! فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لَا تَعْجَلْ؛ فَإِنَّ أَبَا بَكْرٍ أَعْلَمُ قُرَيْشٍ بِأَنْسَابِهَا، وَإِنَّ لِي فِيهِمْ نسبا، حتى يخلص لك نَسَبِي ". فَأَتَاهُ حَسَّانُ، ثُمَّ رَجَعَ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَدْ أَخْلَصَ لِي نَسَبُكَ، فَوَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ لَأَسُلَّنَّكَ مِنْهُمْ كَمَا تُسَلُّ الشَّعْرةُ مِنَ الْعَجِينِ!
قَالَتْ عَائِشَةُ: فَسَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ لِحَسَّانَ: " إِنَّ روح القدس لا يزال يؤيدك ما نافحت عَنِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ! " وَقَالَتْ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: هَجَاهُمْ حَسَّانُ فشفى وأشفى. وَذَكَرَ الْأَبْيَاتَ، وَزَادَ فِيهَا:
هَجَوْتَ مُحَمَّدًا بَرًّا حَنِيفًا ... رَسُولَ اللَّهِ شِيمتُهُ الْوَفَاءُ
فَإِنَّ أَبِي وَوَالِدَه وَعِرْضِي ... لِعِرْضِ مُحمَّدٍ مِنْكُمْ وِقَاءُ
فإنْ أعرضتم عنا اعتمرنا ... وكان الفتح وانكشف الغطاء
وَقَالَ اللَّهُ قَدِ أَرْسَلْتُ عَبْدًا ... يَقُولُ الْحَقَّ لَيْسَ بِهِ خَفَاءُ
وَقَال اللَّهُ قَدْ سَيَّرْتُ جُنْدًا ... هُمُ الْأَنْصَارُ عُرْضَتُهَا اللِّقَاءُ
لَنَا فِي كُلِّ يَوْمٍ مِنْ مَعَدٍّ ... سِبابٌ أَوْ قِتَالٌ أو هجاء