ونادى أبو سفيان بمكة: أسلموا تسلموا. فكفهم اللَّهُ عَنْ عَبَّاسٍ.

فَأَقْبَلَتْ هِنْدٌ فَأَخَذَتْ بِلِحْيَةِ أَبِي سُفْيَانَ، ثُمَّ نَادَتْ: يَا آلَ غَالِبٍ، اقْتُلُوا الشَّيْخَ الأَحْمَقَ! قَالَ: أَرْسِلِي لِحْيَتِي، فَأُقْسِمُ لئن أنت لم تسلمي لتضربن عنقك! ويلك جاءنا بالحق! ادخلي بيتك واسكتي!

وَدَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَطَافَ سَبْعًا عَلَى رَاحِلَتِهِ.

وَفَرَّ صَفْوَانُ بْنُ أُمَيَّةَ عَامِدًا لِلْبَحْرِ، وَفَرَّ عِكْرِمَةُ عَامِدًا لِلْيَمَنِ، وَأَقْبَلَ عُمَيْرُ بْنُ وَهْبٍ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ، أَمِّنْ صَفْوَانَ؛ فَقَدْ هَرَبَ، وَقَدْ خَشِيتُ أن يهلك نفسه، فأرسلني إليه بأمان؛ فإنك قَدْ أمَّنْتَ الأَحْمَرَ وَالأَسْوَدَ! فَقَالَ: أَدْرِكْهُ فَهُوَ آمِنٌ.

فَطَلَبَهُ عُمَيْرٌ، فَأَدْرَكَهُ وَدَعَاهُ، فَقَالَ: قَدْ أمَّنَكَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَقَالَ صَفْوَانُ: وَاللَّهِ لا أُوقِنُ لَكَ حَتَّى أَرَى عَلامَةً بِأَمَانِي أَعْرِفُهَا. فَرَجَعَ، فَأَعْطَاهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بُرْدَ حَبْرَةٍ كَانَ مُعْتَجِرًا به حين دخل مكة. فأقبل به عُمَيْرٌ، فَقَالَ صَفْوَانُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَعْطَيْتَنِي ما يقول هذا من الأمان؟ قال: نعم. قَالَ: اجْعَلْ لِي شَهْرًا. قَالَ: لَكَ شَهْرَانِ، لَعَلَّ اللَّهُ أَنْ يَهْدِيَكِ.

وَاسْتَأْذَنَتْ أُمُّ حَكِيمٍ بِنْتُ الْحَارِثِ بْنِ هِشَامٍ وَهِيَ يَوْمَئِذٍ مُسْلِمَةٌ، وَهِيَ تَحْتَ عِكْرِمَةَ بْنِ أَبِي جَهْلٍ. فَاسْتَأْذَنَتْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي طَلَبِ زَوْجِهَا، فَأَذِنَ لَهَا وَأَمَّنَهُ.

فَخَرَجَتْ بِعَبْدٍ لَهَا رُومِيٍّ، فَأَرَادَهَا عَنْ نَفْسِهَا، فَلَمْ تَزَلْ تُمَنِّيهِ وَتُقَرِّبُ لَهُ حَتَّى قَدِمَتْ عَلَى نَاسٍ من عك فاستعانتهم عَلَيْهِ فَأَوْثَقُوهُ. فَأَدْرَكَتْ زَوْجَهَا بِبَعْضِ تِهَامَةَ وَقَدْ رَكِبَ فِي السَّفِينَةِ.

فَلَمَّا جَلَسَ فِيهَا نَادَى بِاللاتِ وَالْعُزَّى، فَقَالَ أَصْحَابُ السَّفِينَةِ: لا يَجُوزُ ها هنا مِنْ دُعَاءٍ بِشَيْءٍ إِلا اللَّهَ وَحْدَهُ مُخْلِصًا، فقال عكرمة: والله لئن كان في الْبَحْرُ إِنَّهُ لَفِي الْبَرِّ وَحْدَهُ، أُقْسِمُ بِاللَّهِ لأَرْجِعَنَّ إِلَى مُحَمَّدٍ!

فَرَجَعَ عِكْرِمَةُ مَعَ امْرَأَتِهِ، فدخل عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَبَايَعَهُ، وَقَبِلَ مِنْهُ.

وَدَخَلَ رَجُلٌ مِنْ هُذَيْلٍ عَلَى امْرَأَتِهِ، فَلامَتْهُ وَعَيَّرَتْهُ بِالْفِرَارِ، فَقَالَ:

وَأَنْتِ لَوْ رَأَيْتِنَا بِالْخَنْدَمَهْ ... إِذْ فَرَّ صَفْوَانُ وَفَرَّ عِكْرِمَهْ

قَدْ لَحِقَتْهُمُ السُّيُوفُ الْمُسلِمَهْ ... يَقْطَعْنَ كُلَّ سَاعِدٍ وَجُمْجُمَهْ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015