610 - الْحَسَن بْن عليّ بْن يُوسُف بْن هود، الشَّيْخ، الزَّاهد الكبير، بدر الدِّين، أبو عليّ، ابن هُود المُرسيّ. [المتوفى: 699 هـ]
أحد الكبار فِي التّصوف على طريقة أهل الوحدة، أعاذنا اللَّه من ذَلِكَ.
قال عَلَمُ الدِّين البِرْزاليّ: سَأَلْتُهُ عن مولده فقال: فِي سنة ثلاثٍ وثلاثين وستّمائة بمُرسية.
وذكر أنّ أَبَاهُ كان نائب السَّلْطَنَة بمُرسِية عن أخيه الخليفة المُلقّب بالمتوكّل أبي عَبْد اللَّه مُحَمَّد بْن يُوسُف بْن هود صاحب الأندلس.
قلت: وحصل لهذا المرء زُهد مُفْرِط وفراغ عن الدّنيا وسكرة عن إيّاه وغفلة مُتتابعة، فسافر وترك الحشمة وتغرَّب وصحِب ابن سبعين واشتغل بالفلسفة والطّبّ وتُرَّهات الاتّحاديّة وزُهْديّات الصوفية وخلط هذا بهذا.
وحجّ ودخل اليمن وقدِم الشَّام، رَأَيْته مرّات وكان أشقر، أزرق، ذا شيبة وهَيبة وسكون وفنون وتلامذة وزبون وعلى رأسه قبع دلك. وعلى -[905]-
جسده دلق وكان غارقًا في الفكر، قليل الصلاة والذكر، متواصل الأحزان، عديم اللّذّة كأنّه فاقد، وفيه انقباض عن الناس وسكوت متواصل وأعرف، وقد حُمِل مرّة إلى والي البلد وهو سكران، أخذوه من حارة اليهود فأحسن الوالي به الظّنّ وسرّحه.
وقال بعض النّاس: إنّما سقاه اليهود ليغضّوا منه بذلك خُبثَا منهم.
قال الشَّيْخ تاج الدِّين فِي " تاريخه ": وفي سنة خمسة وثمانين تحدّث النّاس أنّ ابن هود وُجد سكرانًا، فلا حول ولا قوة إلا بالله. وقيل: إنّه أُخذ إلى الوالي فاعترف، ثُمَّ سرّحه وأُخرج من الأندلسيّة.
وقال شيخنا عماد الدِّين الواسطيّ وكان من أكبر المُحِطّين عليه لِما رَأَى منه أتيته وقلت له: أريد أنّ تسلّكني. فقال لي: من أيّ الطُّرُق تريد أن تسلك؟ من الموسوية أو العيسوية أو المحمّدية؟ أي أنّ كلّ المِلَل توصل إلى اللَّه.
وقال: كان إذا طلعت الشمس استقبلها وصلّب على وجهه، لا أدري ما يقصد بذلك.
وله أبيات مشهورة فِي الاتحاد وهي:
عِلْمُ قومي بي جَهْلُ.
يقول فيها:
أَنَا ربّ أَنَا عَبْد ... أَنَا بعضٌ أَنَا كل
أنا دنيا أنا أخرى ... أنا هجرأنا وصل
أنا معشوق لذاتي ... لست عني الدّهر أسلو
وقد صحِبه العفيف عِمْرَانَ الطّبيب والشيخ سَعِيد المغربيّ وغير واحد من هَؤُلَاءِ، اللَّهُمّ يا مثبّت القلوب ثبّت قلوبنا على دينك.
وكان له مشاركات جيّدة فِي العلوم، تُوُفّي فِي السادس والعشرين من شعبان وصلّى عليه قاضي القُضاة بدر الدِّين ابن جماعة ودُفِن بسفح قاسيون وكان يعجبني سَمْتُه وصمْته ولعلّه رجع وأناب.