183 - مُحَمَّد بْن أَحْمَد بْن الخليل بْن سعادة بْن جعْفَر، قاضي القُضاة، ذو الفنون، شهاب الدين، أبو عبد الله ابن قاضي القُضاة شمس الدِّين الخُوَيّي الشّافعيّ، [المتوفى: 693 هـ]
قاضي دمشق وابن قاضيها.
وُلِدَ فِي شوّال سنة ست وعشرين بدمشق، ونشأ بها، واشتغل فِي صِغره. ومات والده وله إحدى عشرة سنة فبقي منقطعًا بالعادليَّة. ثُمَّ أدمن الدرس -[772]-
والسّهر والتكرار مدّة بالمدرسة وحفظ عدّة كُتب وعَرَضَها، وتنبّه وتميز على أقرانه. وسمع فِي صَغره من ابن اللَّتّيّ، وابن المُقَيَّر، والسَّخاويّ، وابن الصّلاح. وأجاز له خلْق من إصبهان، وبغداد، ومصر، والشام. وخرَّج له تقيُّ الدِّين عُبَيْد الحافظ معجمًا حافلًا. وخرَّج له أَبُو الحَجّاج الحافظ أربعين متباينة الإسناد. وحدَّث بمصر ودمشق. وأجاز له عُمَر بْن كرم، وأبو حفص السُّهْرَوَرْديّ ومحمود بْن مَنْده، وهذه الطّبقة.
ولم أسمع منه، بل مشيت إليه وشهد فِي إجازتي من الحاضرين بالقراءات وامتحنني فِي أشياء من القراءات، وأعجبه جوابي وتبسِّم. وكان يحبّ أرباب الفضيلة ويُكرمهم، ويلازم الاشتغال فِي كِبَره. ويصنّف التّصانيف. وكان - على كثرة علومه - من الأذكياء الموصوفين، ومن النُّظّار المنصفين. يبحث بتُؤَدَة وسكينة، ويفرح بالفقيه الذّكيّ ويتألّفه، وينوَه باسمه. وكان حَسَن الأخلاق حُلْو المجالسة، ديّنًا، متصوِّنًا، صحيح الاعتقاد، مع كثرة نظره فِي الحكمة والعقليّات. وقد صنَّف كتابًا فِي مجلد كبير يشتمل على عشرين فنًّا من العِلم، وشَرَح " الفصول " لابن مُعْطٍ، ونظم " علوم الحديث " لابن الصّلاح، و " الفصيح " لثعلب و " كفاية المتحفّظ ". وقد شرح من أول " ملخّص القابسيّ " خمسة عشر حديثا فِي مجلّد، فلو تم هذا الكتاب لكان يكون أكبر من " التّمهيد " وأحسن. وله مدائح فِي النَّبيّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وشِعره جيّد فصيح. وكان يحبّ الحديث وأهله ويقول: أنا من الطلبة.
درس وهو شابّ بالدّماغية، ثُمَّ وُلّي قضاء القدس قبل هولاكو وأيامه، ثُمَّ انجفل إلى القاهرة فولي قضاء المحلّة والبَهْنَسا، ثُمَّ قَدِمَ الشَّام على قضاء حلب. ثُمَّ رجع وعاد إلى قضاء المحلّة. ثُمَّ وُلّي قضاء القُضاة بالدّيار المصرية بعد الثمانين، ثُمَّ نُقل إلى قضاء الشَّام عند موت القاضي بهاء الدِّين ابن الزّكيّ. -[773]-
سمع منه: الفَرَضيّ والمِزّيّ والبِرْزاليّ، والخَتَنيّ، وعلاء الدين المقدسي، والشهاب ابن النابلسي، وروى " صحيح الْبُخَارِيّ " بالإجازة نَوبة عكا. وسمع منه خلْق. وكان رَبعةَ من الرجال، أسمر، مَهيبًا، كبير الوجه، فصيح العبارة، مستدير اللّحية، قليل الشَيْب.
تُوُفّي فِي بُستان صيَّف فِيهِ بالسهَّم يوم الخميس الخامس والعشرين من رمضان. وصُلّي عليه بالجامع المظفّريّ بين الصلاتين ودُفِن عند والده بتُربته بالجبل.
وقد سَأَلت شيخنا المِزّيّ عَنْهُ، فقال: كان أحد الأئمّة الفُضَلاء فِي عدّة علوم. وكان حَسَن الخُلُق، كثير التّواضع، شديد المحبّة لأهل العلم والدّين.
وقد استوفى أخباره مجد الدين الصَّيْرَفيّ فِي "معجمه " وقال: كان علامة وقته وفريدَ عصره. وأحد الأئمّة الأعلام، وكان جامعًا لفنون من العلم كالتفسير والأصلين، والفِقه، والنحو، والخلاف، والمعاني، والبيان، والحساب، والفرائض، والهندسة، ذا فضل كامل، وعقلٍ وافر، وذهن ثاقب - رحمه اللَّه -.
ومن شِعره لمّا تخلّف عن الركْب بمكة ثُمَّ أصبح ولحِق بهم.
إنّ كان قصدُك يُفضي إلى عَدَمي ... فنظرةٌ منك لا تغلو بسفك دمي
يلذّ لي فيك ما يُرضيك من تَلَفي ... وحُسن حالي من برئي ومن سقمي
كُنْ كيف شئتَ فما لي قَطُّ عنك غِنى ... أنت المحكّم فِي الحالات فاحتكمِ
كم شدّة فرّجت باللُّطف منك وقد ... سألتك اللُّطْفَ فِي داجٍ من الظُلَمِ
وذكر القصيدة.